دور الإعلام في الترويج للحرف التقليدية في العالم الإسلامي
يمثل الإعلام أداة اتصال هامة، إذ من خلاله يتم الترويج للحرف التقليدية في العالم الإسلامي، وإلى اليوم مازال هذا الدور به قصور شديد، إذ يقتصر الأمر على ما عرف من هذه الحرف بحكم الشهرة المتوارثة لبعض الأماكن، كخان الخليلي في القاهرة، لكننا لم نسعى إلى تأصيل هذه الحرف ثم الترويج لها في إطار خطط إعلامية متكاملة، لذا بات التفكير في استخدام كافة الوسائط الإعلامية في الترويج للحرف التقليدية أمراً حتمياً، وهو يخلق أبعاداً عديدة ذات فائدة لنمو وازدهار هذه الحرف والحرفيين، فضلاً عن أن المتوارث من هذه الحرف والترويج له، يعد تأكيداً على خصوصية الهوية المحلية للمجتمعات الإسلامية في ظل التيار الجارف لتسطيح العالم ولتحويله إلى نمط واحد من الحضارة لا يقبل التعددية.
إن ما يقوم به تواصل إنتاج الحرف التقليدية من جيل لجيل في أي منطقة بصورة غير مدركة من الكثيرين، هو عملية بناء الأمة من خلال حفظ تراثها التقليدي متوارثاً، حيث يعد مكون رئيسي للهوية الثقافية، كأرشيف archives مادي للماضي الثقافي للأمة.
إن أحد أسباب تدهور الحرف التقليدية هو الاستخفاف بالعمل اليدوي، ففي عصر الآلة الصناعية وتكنولوجيا المعلومات أصبح هناك قصور لدى الأجيال الجديدة في إدراك القيم الإنسانية والروحية المستمدة من روح الإسلام التي تقف خلف كل عمل فني ينتجه الحرفيين.
كما أن هناك مشكلة تواجه الحرف التقليدية في البلدان الإسلامية وهي الكم الصناعي الضخم لها خاصة القادم من الصين، وأفضل مثل على ذلك القطع التي تباع حالياً بمصر مقلدة لمنتجات خان الخليلي والأقصر، بأسعار منافسة، وعليه فإن بحثي يرتكز على ما يلي:-
• تسجيل الملكية الفكرية:
ضرورة أن يكون هناك ضمن القوانين الخاصة بحماية الآثار نصاً لا يسمح بإنتاج المقتنيات الفنية الإسلامية في المتاحف خارج بلادها، مع حظر تداول أي منتج مستورد مقلد لها دون دفع رسوم نظير التقليد.
• ضرورة إعداد سجلات رقمية وكتالوجات مطبوعة للقطع الفنية الإسلامية، كتوثيق لها يسمح بتقليدها من قبل الحرفيين، كما يعرف بتوقيعات أشهر الصناع الإسلاميين ( ملحق رقم (1) جدول نموذجي لبعض القطع التي تحمل توقيعات)
• إن إعادة إنتاج مستنسخات خارج البلاد التي أنتجت فيها هذه القطع الأصلية، والتي نقلت خارج البلاد سواء بطرق مشروعة أو غير مشروعة، أمراً يتطلب فرض نسبة مئوية على بيع كل قطعة لصالح الدولة صاحبة القطعة الأصلية، مثل حجر رشيد الذي يحتفظ به المتحف البريطاني دون وجه حق، نتيجة لحرب احتلال وتفاوض بين طرفين هما الاحتلال الفرنسي والبريطاني المحاصر له، هذه القطعة التي يستنسخ منها المتحف البريطاني آلاف القطع، يحق لمصر أن تحصل على نسبة من مبيعات مستنسخاتها.
• الإنتاج الكمي والنوعي:
إن أكثر الأخطاء الشائعة هي عدم التفرقة بين الإنتاج الكمي الصناعي للقطعة الفنية الإسلامية، والإنتاج النوعي الحرفي لها، وللأسف ما زال العالم الإسلامي يعتمد على الثانية فقط، لم يدرك أهمية الإنتاج الكمي ما عدا ماليزيا ومحاولات محدودة في إيران وتركيا، فقديماً كانت السياحة قائمة على طبقة من الأثرياء، لكن مع نمو سياحة الطبقة المتوسطة في جميع أنحاء العالم، فإن هؤلاء لهم متطلباتهم من منتجات فنية، تتمثل في جودة المنتج والسعر المناسب، وعليه يصبح الإنتاج الكمي هنا هو الهدف المطلوب، وهو إقامة ورش له تدخل التكنولوجيا بكافة مستوياتها وأشكالها، هذا سيسبب تشغيل أعداد أكثر من الشباب في هذه الصناعات، ويرفع من مساهماتها في الناتج القومي.
إن الدور الرئيسي للإعلام في هذا النحو هو إخراج الحرف الخلاقة من عزلتها التقليدية، ولن يجئ هذا إلا وفق رؤية متكاملة، لكن هناك مشكلة أساسية تعيق عمل الإعلام كأداة مساندة للحرف التقليدية، لذا لابد من اتخاذ عدة خطوات هي:
• إجراء مسح عام للحرفيين سواء الذين يعملون كامل الوقت أو بعض الوقت في الحرف التقليدية.
• عمل سجل شامل للحرف التقليدية سواء القديمة أو المستحدثة ومنتجاتها.
• تحليل المستويات المعيشية للحرفيين.
• تنظيم دراسات توثيقية للحرف التقليدية.
• إبراز المشكلات التقنية التسويقية للحرف التقليدية.
• الاعتراف بالتدريب الحرفي في ورش الحرفيين بعد اختبار كأداة تعليمية مكملة للشهادات المدرسية الابتدائية.
وعليه تتوافر قواعد بيانات يمكن بعدها أن يقوم الإعلام بناءاً على تهيئة الظروف المناسبة طبقاً للخطوات السابق ذكرها، لكن أولى المهام التي يجب أن نقوم بها هي:
• مواقع الانترنت: تمثل مواقع الانترنت أداة معاصرة إعلامية قوية، تجذب جمهور جديد للحرف التقليدية، فموقع متحف اللوفر www.louvre.fr قد جمع عدة آلاف من الإجابات على استبيان أجري بين الزائرين...وكشف الاستبيان عن أن مجموعة الأعمار من 25-45 سنة كانت هي الأكثر استجابة للموقع...بينما يعتقد ثلثا الذين استطلعت آراؤهم، أن الموقع لا يحل محل المتحف، ولكنه يثير رغبة المرء في زيارته.
إن واحدة من النقاط التي ينبغي إثارتها هي أن الحرف التقليدية يمكن أن يتعامل معها على الشبكة *** من خلال
نوعين من المواقع :
- مواقع تسويقية: بحيث تقيم كل حرفة أو ورشة موقعاً لها على الشبكة، بهدف تسويق منتجها للجمهور، وتقدم له معلومات مفصلة عن المنتج وجذوره الفنية، وقد يكون البيع مباشرة عن طريق الانترنت، وقد يكون عاملاً مشجعاً على شراؤه عند زيارة البلد المنتج فيه، وعليه فإن مثل هذه المواقع ستحدث نقلة نوعية في تسويق و رواج هذه الحرف.
- المتاحف الافتراضية: هي متاحف تنشأ على شبكة الانترنت بهدف التعريف بمتحف ما، وقد لا يكون لهذا المتحف وجود حقيقي، فهو قد يهدف إلى عرض مجموعة ما بصورة متحفية، فيمكن تكوين متحف للخزف أو السجاد لمركز حرفي ما على الانترنت بصورة تجذب الزائر للموقع لمشاهدتها، هنا يأتي دور هيئات تنشيط السياحة والآثار والتعليم في تقديم مثل هذه المتاحف. فهناك تأثير غير عادي لمثل هذه الخدمات، فقد أثبتت التجارب التأثير الثوري لتمكين عائلات في أماكن شتى من العالم، والمرشدين والخبراء والزائرين المهتمين في جميع أنحاء العالم ، من أن يقوموا معاً بزيارة لمكان بعيد بدون مشقة أو تعب عبر الشبكة العالمية www.
تحقق المتاحف الافتراضية عدة أهداف هي:
- توفير أدوات لتقديم خدمات تعليمية: إذ يمكن تقديم برامج تعليمية عبرها تتيح للشباب احتراف هذه الحرف والابتكار فيها، مع تقديم نماذج مختلفة لإعداد المواد الخام في صورة قطعة فنية، كما يمكن أن تعد مخزنا لتراث هذه الحرف يعطى للحرفي فرصة أوسع للاختيار بين آلاف القطع ما يمكن أن يستنسخه بسهولة.
- تحسين الإتاحة: تتيح المتاحف الافتراضية فرصة إيجاد شبكة أوسع من الجمهور، بعضهم سيكون جمهور غير متوقع، ومن الأفضل إن إنشاء بوابة Gateway تجمع المواقع والمتاحف الافتراضية للحرف، لتنسق بينها، كما أنها تتيح فرص للدخول أعلى من العمل بصورة منفردة على الشبكة.
- إيجاد دخل محلى: يمكن أن تتم عمليات بيع واسعة لمنتجات الحرف التقليدية عبر الإنترنت، في ظل سوق ينمو سنويا بمعدلات سريعة، وقد تتنوع هذه التجارة ما بين بيع الكتالوجات والكروت البريدية Postcard والقطع الفنية والمعلومات، وهو ما يجعل مثل هذا المردود ذا عائد جيد.
إن واحدة من الوسائل التي ستساعد لاشك على الترويج للحرف هو إقامة متاحف لها، خاصة أن تعريف (المجلس الدولي للمتاحف Icom)، للمتحف يتطابق مع هذا الطرح، فالمتحف في تعريفة هو "مؤسسة دائمة لا تبغي الربح تعمل في خدمة المجتمع وتنميته، مفتوح للجمهور الذي يحصل على مواد تدل على الناس وبيئتهم، ويحافظ عليها، ويجري عليها أبحاثاً واتصالات، ويعرضها بهدف الدراسة، والتعليم والمتعة". (ملحق 2 إعلان جاكارتا 1985).
طبقاً لهذا التعريف تؤدى المتاحف دوراً هاماً في حياة الشعوب، فهي ليست مخزناً للقطع الفنية، بل تحولت بمرور الزمن إلى أماكن لصناعة الثقافة وترسيخ الهوية، لكن مازالت متاحف الحرف في العالم الإسلامي قليلة، ومع قلتها فدورها غير واضح، إن أحد أهم مهام المتاحف هي حفظ التراث الثقافي الذي هو عنصر هام في قيام وحدة أي شعب لديه تنوع في موروثة الثقافي، وإذا ما افتقدت أيه أمة مصادر تاريخية مكتوبة تخصها هي نفسها، فإن المتاحف تقوم بوظيفة الأرشيف الوطني Archives على الأقل للتعبير المادي عن ماضيها الثقافي، فما بالنا بالمنتج الحرفي في الحضارة الإسلامية بتنوعه وثرائه من الصين إلى الأندلس، لقد أصبحت المتاحف في عصرنا بنوك بيانات Data Bank، إذ تحفظ المادة التي قد تستخدم في دروب مختلفة كثيرة من دروب البحث، من هنا تأتي الأهمية القصوى للمتاحف في مجال الحرف، إذ يمكن أن توثق مهارات صناعة القطع الفنية وتسلسل عملية الصناعة، التي أنتجت وفق ظروف بيئية وثقافية واقتصادية وجغرافية معينة، عليه فهي تعد سجلاً للثقافة غير المدونة للشعوب.