أصحاب رسولنا صلى الله عليه وسلم مصطفون لصحبته كاصطفائه للرسالة، رضي الله عنهم، وزكّاهم وأشاد بذكرهم، من أحبهم فما أحب إلا الخير، وما نفع إلا نفسه، ومن ذمهم فقد وصم نفسه وبخس حظه وأضاع نصيبه.
قومٌ شهدوا التنـزيل، وعرفوا التأويل، وأقبلوا وقت الإدبار، وعرفوا أوقات الإنكار.
قومٌ خلصت منه النيّات، وصلحت منهم الأعمال، ومات فيهم الهوى، وصار مراد الله عندهم هو الشغل الشاغل، ومتابعة المعصوم الشأن الأهم، خرجوا من الأموال فما شفى غليل تعلقهم بالملة، فخرجوا من الديار فبقي في القلوب لوعة، فخرجوا من أنفسهم:
يستعذبون مناياهم كأنهم لا يخرجون من الدنيا إذا قتلوا
وقفوا مع الدليل، وساروا على الجادة، وأخذوا بالحجة، وتعبدوا بالأثر، هجروا التنطُّعَ لأنَّ المعلم بين أظهرهم، وتركوا التعمق لأن الوحي يهبط عليهم صباح مساء، واطرحوا التكلف، لأنهم ذاقوا الحنيفية السمحاء، فروا من القيل والقال؛ لأن لديهم مهمة إصلاح العالم، وهربوا من اللهو لأنهم حملوا أمانة إنقاذ الإنسان، قدموا رؤوسهم للسيوف يوم قدم الأدعياء أكف الاستجداء عند تساقط الدراهم، وسفحوا دموع الخشية يوم أسال غيرهم خمور الليالي الحمراء على شفتيه، لا يفتح أحدهم جفنه في الثلث الأخير من الليل إلا وابتهاله الاستغفار ملؤ حنجرته، ولا يرفع جبهته من السجود لربه إلا وتاج العزة على هامته، عبدوا الله فذلَّت لهم جبابرة العالم، وسعوا للآخرة فهرولت الدنيا خلفهم لاهثة تريدهم، واتصلوا بالسماء فاشرأبت الأرض احتفاءً بهم، قصصهم أحسن القصص؛ لأنهم نجوم في ليل الدنيا الداجي الدامس، فهل أحد يكره النجوم ؟