الفارس الذي قتل ماجلان
لابو لابو
المجاهد الذي تجهله كتب التاريخ
كاظم فنجان الحمامي
تزدحم ذاكرة التاريخ بالكثير من الصفحات المنسية, التي توثق جهاد الأمة الاسلامية, ونضالها البطولي الطويل بوجه كل الغزاة والطغاة, وبوجه القوى الظلامية الغاشمة. فعلى الرغم من عظمة التضحيات, وشراسة المعارك, التي خاضتها الأمة, مازالت تلك الصفحات البطولية يطويها النسيان, ويخيم عليها الغموض. .
امة لا تعرف الخضوع والعبودية
ومن المرجح ان الغزاة تعمدوا قلب الحقائق. فدونوا الوقائع التاريخية بالطريقة, التي تجمّل صورتهم البشعة, وتبرر إدعاءاتهم الباطلة. واشتركت عوامل أخر في محو صور الحركات التحررية من ذاكرة الشعوب الفقيرة البائسة. نذكر منها تقادم السنين والأيام. وضعف الأخبار المتناقلة عبر الأجيال المتعاقبة, وقساوة ظروفهم السيئة. وغياب الوعي الوطني. وإمعان المغتصب في طمس الحقائق وتشويهها, والظهور بمظهر المنقذ والمحرر.
وقد انساق بعض المؤرخين وراء أنساقهم الفكرية, التي رسمها الغزاة. وتأثروا بملامحها السطحية المزيفة. لكنهم فشلوا في تهميش انتصارات المجاهد (لابو لابو Lapu Lapu), ولم يستطيعوا محو اسمه من سجل الفروسية, والكفاح المسلح ضد الغزاة الاسبان, الذين لاذوا بالفرار بعد مصرع قائدهم ( ماجلان Magellan). .
وستثبت لنا هذه الصفحات. ان الشعوب الواعية كانت, دائما وأبدا, على أتم الأستعداد للذود عن كرامتها وحريتها. وانها ترفض الذل والهوان. وترفض الخضوع والخنوع والعبودية. .
وعلى الرغم من جميع محاولات التعتيم والتدليس التي بذلها الغزاة الاسبان بهدف تحريف الحقائق. مازالت الامة الاسلامية ترى في الفارس (لابو لابو) رمزا شامخا من رموز التحرير والنضال. فقد تصدى هذا المجاهد لفلول الحملة العسكرية الاسبانية بقيادة ماجلان, وأنتصر عليهم في معركة حامية الوطيس, دفاعا عن أرضه وشعبه وإسلامه. حتى صار علما من أعلام الجهاد, وقدوة في التضحية والاستبسال. .
في مدارس الحقد الكهنوتي
وان من يريد التبحر في دراسة أهداف الغارات الاسبانية على السواحل الاسلامية, ويسعى لتسليط الأضواء على دوافعها الحقيقية, لابد له من العودة الى عام 1493 م . . ففي هذا العام سقطت الاندلس, وأدى سقوطها إلى اقتلاع شعبا مسلما من جذوره, وتعاظمت في نفوس رجال الكنيسة الكاثوليكية فكرة استئناف حروب الإسترداد. وشعرت اوربا آنذاك بنشوة عظيمة بالظفر لتحقيقها أول انتصار لها على المسلمين. وابتهج بابا روما أيما ابتهاج. وأمر بإعداد العدة لمواصلة الحروب الصليبية, والانقضاض على ديار المسلمين, وتدمير معاقلهم, ونهب ثرواتهم, وتنصيرهم أو استعبادهم. وكان السبيل الوحيد هو الغزو البحري لبلاد المسلمين. فتحولت حروب الاسترداد الى حروب استباحية وانتقامية وطائفية شملت معظم البلدان الاسلامية. وكانت السفن الحربية الاسبانية والبرتغالية رأس حربتها, وذراعها الطويلة الممتدة عبر البحار والجزر النائية. .
ففي هذا العام كان ماجلان في الثالثة عشر من عمره. بينما كان (لابو لابو) في سن الثالثة. وقد شب ماجلان في تلك الظروف, والبيئة المشحونة بروح العداء والكراهية للاسلام والمسلمين. وتربى في مدرسة الحقد الكهنوتي القديم. وفقد ابويه وهو في سن العاشرة. فسنحت له الفرصة للخدمة في حاشية الملكة ( إلينورا Eleonora). وعرف بتطرفه الكاثوليكي, وعشقه للمغامرات البحرية. فتأثر بمهارات الملاح البرتغالي (فاسكو دي غاما). وأظهر رغبة شديدة للانخراط في صفوف الاسطول الحربي البرتعالي. وخدم في جزر الهند الشرقية عام 1505, برتبة جندي, في الحملة المؤلفة من 21 سفينة, تحت قيادة (دوم فرانسيسكو الميدا), فتعلم فنون الملاحة الفلكية, واكتسب خبرات كبيرة في قراءة الخرائط البحرية. ورقي الى رتبة قبطان عام 1510. بيد انه طرد من الخدمة, واعيد إلى البرتغال بسبب خرقه للقوانين. وابحاره بسفينته نحو الشرق من دون إذن رسمي. ثم عاد الى الخدمة في العام التالي ليشارك في عمليات القرصنة والسطو المسلح على السفن والسواحل المغربية. ومارس السلب والنهب في حوض الابيض المتوسط. واصيب في احدى الاشتباكات بجروح عميقة في ساقه, جعلته يعرج بقية حياته. . وفي عام 1514 عرض خدماته على ملك البرتغال ( عمانويل الأول ). طالبا منه تجهيزه بالسفن, والمعدات اللازمة للقيام بمغامرته البحرية, لبسط نفوذ البرتغال على جزر التوابل الواقعة جنوب شرق آسيا. فجوبه طلبه بالسخرية والرفض القاطع.
الفرار إلى البلاط الاسباني
قرر ماجلان الفرار فيما بعد إلى اسبانيا, مستصحبا معه الخرائط السرية النادرة, التي رسمها الملاح البرتغالي المغدور ( جون كابوت John Cabot ). وكانت تلك الخرائط تعد من الوثائق البرتغالية السيادية. لأنها تشتمل على أدق تفاصيل المسالك الملاحية, والخطوط الساحلية, والمسطحات المائية في المحيط الهندي, ومقتربات الخليج العربي. والتي تعد آنذاك من (حصة) البرتغال. بينما كانت سواحل غرب الاطلسي تعد من (حصة) اسبانيا.بموجب معاهدة (تورديزلاس Tordesillas) الموقعة بين البلدين عام 1494. .
وصل ماجلان خلسة الى اسبانيا في 20/10/1517. وعدته البرتغال خائنا. في حين رحبت به اسبانيا, واستقبله ملكها, ووفر له الرعاية والحماية. وعده مواطنا اسبانيا من درجة النبلاء. وأبدى موافقته واستعداده لتهيئة خمس سفن عابرة للمحيطات. وضعت جمعيها تحت تصرف ماجلان. هي : فيكتوريا, وسنتياغو, وكونسمليشان, وسان أنطونيو, إضافة إلى سفينة القيادة ترينيداد, التي كان يقودها ماجلان نفسه. في مقابل ذلك, وافق ماجلان على أن يعلن بأن كل ما يكتشف من أرض ملك لإسبانيا. .
وأبحر من ميناء (باراميدا) الاسباني في 20/9/1519, ومعه طاقم غير متجانس, مؤلف من 265 بحّارا. معظمهم من القراصنة والمجرمين. وتوجه بهم نحو الغرب, مبحرا في عرض المحيط الأطلسي, ومتجنبا المرور بالمسالك الملاحية الجنوبية المتجهة صوب أفريقيا. وذلك خوفا من الوقوع في قبضة السفن البرتغالية, التي ارسلت في طلبه. .
التمرد الأول والثاني
وبعد مرور ثلاثة اشهر على رحلته, وصل الى أمريكا الجنوبية. وتوقف في خليج (ريو دي جانيرو). ثم غادره في ديسمبر (كانون الأول) 1519. للبحث عن الممر, غير المعلن, الذي اكتشفه الملاح البرتغالي (جون كابوت). .
وسار (ماجلان) في مسلكه الجنوبي ثلاثة اشهر أخر. حتى وصل الى خليج (سان جوليان) في شتاء عام 1520. فتمرد عليه بحارته, واعلنو العصيان المسلح. لكنه نجح في إخماد التمرد, والسيطرة عليهم, وأمر بإعدام بعض المتمردين. وفي أواخر مايو (أيار) غرقت السفينة (سنتياغو) بعد ان تحطمت كليا. وأجبرته الظروف الجوية القاسية على السير ببطء, حتى وصل الى الممر الفاصل بين المحيط الاطلسي والمحيط الهادي. وهو الممر الذي رسمه (جون كابوت), وثبته في الخرائط البرتغالية, التي سرقها ماجلان نفسه, قبل هروبه الى اسبانيا. .
وفي 28/11/1520 وصل ماجلان الى نهاية ذلك الممر أو المضيق. والذي سمي فيما بعد بـ (مضيق ماجلان). وثار عليه رجال احدى السفن . وامتنعوا عن إجتياز المضيق, وقرروا العودة الى اسبانيا. وهكذا تابع ماجلان رحلته الطويلة في المحيط الهادي بثلاث سفن, حتى وصل إلى أرخبيل الملايو في 17/3/1521. وسارع الى تثبيت علامة الصليب على ساحل جزيرة (سامار Samar). وحفر اسمه على صخرة ساحلية كبيرة.
في ارخبيل الملايو
لم يكن ماجلان أول من وصل إلى جزر أرخبيل الملايو. فقد سبقه اليها العرب. حيث وصل اليها التجار المسلمين عام 1380 . ونشروا تعاليم الاسلام بين شعوبها منذ ذلك الحين. وكانت بينها وبين ميناء (الأبلة) في البصرة علاقات تجارية قديمة. . انطلق ماجلان الى جزر أخر. واخذ يتنقل بين آلاف الجزر المكتظة بالغابات. ولم يكن لمجموعة هذه الجزر اسم عام تعرف به . فأطلق عليها اسم (الفلبين) نسبة الى الملك الاسباني فيليب الثاني. ووجد امارات اسلامية في تلك الجزر. منها امارة الشريف أبي بكر في جزيرة (سولو Solo). وامارة الشريف محمد بن على في جزيرة (ميندناو Mindanao). وامارة السلطان (لابو لابو) في جزيرة (ماكتان Maktan). لكنه استقر في جزيرة (سيبو Cebu), بعد ان اتفق مع حاكمها, ويدعى (راجا همابون Raja Humabon), على أن يعتنق الحاكم الديانة المسيحية الكاثوليكية مقابل ان يكون ملكا على جميع الجزر تحت التاج الإسباني. وافق الانتهازي (همابون) على شروط سيده الجديد. واقام نصبا خشبيا كبيرا لعلامة الصليب, وضعه في مكان مرتفع وسط الجزيرة.
في مواجهة لابو لابو
أخذ ماجلان يعمل على تمكين حليفه من السيطرة على السكان الأصليين. وتنصير الشعب المسلم, وإجباره على اعتناق المسيحية بالقوة. واشترك مع (همابون) في تحويل عدد من المساجد إلى كنائس. وهدم مقابر المسلمين.
شعر المسلمون ان هذه الحملة ليست كغيرها, تضرب, وتنهب ثم تعود إلى ديارها. انه غزو عسكري من أجل البقاء الدائم. وكان هذا الشعور كافيا لإشعال فتيل المقاومة في نفوس سكان الجزر المجاورة. والدعوة إلى التنظيم المسلح, والوقوف بحزم في وجه الطغاة, والبحث عن القائد المحنك الشجاع, الذي ينقذهم من هذه المحنة. فوقع الأختيار على الفارس (لابو لابو) ابن السلطان (داتو منغال Datu Mangal). وهو من سلاطين قبيلة (Sri Visayan).
كان (لابو لابو) يدرس الأرض دراسة المقاتل الخبير. فيحفر الخنادق, ويقيم المتاريس والتعزيزات, ويستفيد من الأدغال والأحراش والجداول الطبيعية. وكان يقظا ساهرا على شؤون رعيته. شديد الحذر عند تنفيذ خططه, التي ما كان يطلع أحدا عليها إلا عند التنفيذ. كان (لابو لابو) واعيا لما يدور حوله من دسائس وتحالفات. ويعرف دوافعها وما ترمي إليه. ولا يقع فريسة الخداع والتضليل. وكانت له عيون تعمل لحسابه في جزيرة (سيبو). من بينها ابنه (ساويلي Sawili). فاستطاع ان يرصد مخططات الغزاة وتحركاتهم. ويبني استعداداته على المعلومات السرية الدقيقة, التي حملها إليه ابنه. فنجح في تحشيد أعداد كبيرة من المتطوعين. وتمكن من تدعيم نقاط الرصد الساحلية حول جزيرة (ماكتان).
أرسل ماجلان مبعوث من طرفه للتباحث مع (لابو لابو) ومعه هدية (عنزتين). فرفض (لابو لابو) مقابلة المبعوث الإسباني. ولم يستلم الهدية. فاستشاط ماجلان غيضا. وغضب غضبا شديدا. وقرر تجهيز فرقة عسكرية بقيادته للهجوم على معقل (لابو لابو). وكانت الفرقة مؤلفة من 50 جنديا اسبانيا مدججين بالأسلحة الحديثة. ومعهم ما يقارب ألف محارب من جزيرة (سيبو).
الهجوم على معقل لابو لابو
في الصباح الباكر من يوم 27/4/1521 شن ماجلان هجوما كاسحا لاجتياح جزيرة ماكتان, التي يتجحفل فيها المجاهد المسلم (لابو لابو). فأضرم النار في اكواخ المسلمين, وأحرق مزارعهم. وشرد عيالهم, وذبح ماشيهم, ودمر ممتلكاتهم. ففر الناس مذعورين, خوفا من بطش الغزاة المستهترين. ورأى ماجلان ان الفرصة اصبحت مناسبة للترجل من السفن, والنزول الى شاطئ الجزيرة, وذلك لإظهار قوته واسلحته الحديثة. حتى يخافه بقية الأمراء والسلاطين. وكان مقنعا بالحديد, متسربلا بالدروع الفولاذية الثقيلة, التي تغطي جسمه كله, بإستثناء القدمين. وقادته غطرسته وعنجهيته الى حتفه من حيث لا يدري. ويبدو ان العمى والغرور انطبق على ماجلان. فتمادى في غيه. وطلب من (لابو لابو) الاستسلام. قائلا : (( انني باسم المسيح اطلب منك الخضوع والتسليم. ونحن العرق الأبيض, أصحاب الحضارة أولى منكم بحكم هذه البلاد)). فرد عليه (لابو لابو) من فوره, قائلا : (( إن الدين لله. وإن الإله الذي نعبده هو إله جميع البشر على اختلاف ألوانهم. ونحن نحب السلام, ونأبى المذلة والضيم, وقد عاهدنا الله أن ندافع عن أرضنا وديننا. )). واستشهد بقوله تعالى (( ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )). .
الانقضاض على ماجلان وقتله
واستطاع بذكائه الحاد ان يستدرج ماجلان وجنوده الى (منطقة القتل), فنصب له كمينا, أعده مسبقا لهذه الغاية. إذ أحس بخبرته القتالية الفطرية, ان قيام ماجلان بالتحرك سيرا على الأقدام في أوحال المياه المرجانية الضحلة, وهو يتدرع بتلك الدروع المصفحة. يعد فرصة سانحة لسكان الجزيرة للإنقضاض عليه. إذ ان ثقل الدروع الحديدية ستنهك قواه, وتفقده القدرة على القتال الأعزل. كما لاحظ (لابو لابو) ان نقطة ضعف ماجلان تكمن في قدميه. كونه أعرجا, وينتعل حذاءا جلديا طريا. . وهكذا انطلق (لابو لابو) من جوف الادغال بسرعة مذهلة, وهو عاري الجسم, يلف وسطه بإزار مصنوع من صوف الماعز. شاهرا سيفه المعقوف بوجه هذا الغازي المتغطرس. فقطع ساقه المعاقة بضربة واحدة. وأرداه مرميا في الأوحال.
وتكرر مشهد ذلك الأمير الأندلسي (المعتمد بن عباد), الذي يعرفه ماجلان تماما. حينما برز إلى المعركة وهو عاري الصدر. مرددا هذه الأبيات:
قالوا الخضوع سياسة
فليبد منك لهم خضوع
وألذ من طعم الخضوع
على فمي السم النقيع
فبرزت ليس سوى القميص
عن الحشا شي دفوع
شيم الأولى أنا منهم
والأصل تتبعه الفروع
كان (لابو لابو) يقتحم فلول الغزاة مقبلا غير مدبر. وأظهر شجاعة قل نظيرها, وأستمات في قتاله. وامتاز بخفة الحركة, وقوة المفاجأة, وسرعة المراوغة, وامتلاك عنصر المباغتة في الوقت المناسب. وهذا ما جعل الاسبان يشعرون أن هؤلاء المسلمين ليسوا كمن تعودوا على محاربتهم. فسقط ماجلان مغشيا عليه, مضرجا بدمه. وانقض عليه (لابو لابو) كالأسد الضاري, فامسك به وجره خارج المياه. وقتله بيده, وصاح بأعلى صوته (( قتلت ماجلان ورب الكعبة)). فطار صواب الأسبان. وكان لهذا المشهد المثير أثره في بث الذعر في نفوسهم. فتفرق شملهم من هول الصدمة, ولاذوا بالفرار منهزمين مدحورين. فطاردهم وقتل منهم مجموعة كبيرة, ومزقهم تمزيقا. وأصاب سفنهم وقواربهم بأضرار جسيمة. ورفض تسليم جثة ماجلان. وحقق في تلك الملحمة البطولية نصرا عظيما. واستطاع أن يلقن الأسبان درسا قاسيا في فنون القتال الأعزل. فاصبح رمزا وطنيا لجميع أبناء الفلبين. وذاع صيته في الجزر القريبة والبعيدة. وخلده التاريخ كمحارب, ومقاتل, ومجاهد من الطراز الأول. .
الهجوم على البحرين في العام نفسه
ويبدو ان الحملة العسكرية الصليبية, التي شنتها السفن الأسبانية على جزر الملايو عام 1521. لم تكن مقتصرة على القبائل المسلمة القاطنة في تلك الجزر النائية. فقد تشعبت محاور الهجوم لتشمل معظم البلدان الإسلامية. باسم الدين أحيانا, وباسم محاربة القرصنة, وحرية التجارة أحيانا أخرى. وتحت أسماء وعناوين أخرى قد تكون أكثر بريقا في وقتها, كالصداقة, والحفاظ على الأمن في أحيان ثالثة. بيد ان الأحتلال يبقى احتلالا, وإن تعددت عناوينه, وأختلفت وسائله, وعوامله. .
إذن ليس صدفة أن تتعرض البحرين في 27/7/1521 إلى هجوم بحري كاسح, تشنه السفن الحربية البرتغالية, بقيادة القرصان (انطونيو كوريا Antonio Correia). لقد كان الحقد على الإسلام والمسلمين يغذي الأطماع البرتغالية والأسبانية المشتركة. وكانت أنظار الحملة البرتغالية على الخليج العربي تتجه إلى جزيرة (أوال) في البحرين, لتكون معبرا لهم إلى الجزيرة العربية, ومن ثم السيطرة على مكة والمدينة المنورة.
إلا إنه بفضل الله وتقديره, خاب مسعاهم, وقبرت أحلامهم على شواطئ البحرين. فقد تصدى لهم السلطان (مقرن بن زامل Muqrin ibn Zamil). وقاد بنفسه جيشا استطاع ان يحبط هجمات الغزاة الصليبيين, ويفشل خططهم. لكنها كانت معركة غير متكافئة. فقد كان الغزاة يستخدمون البنادق الحديثة, والمدافع الثقيلة. ويتحصنون بالدروع الفولاذية.
استشهاد الشيخ مقرن بن زامل
دار القتال في أرض مكشوفة. بيد انه على الرغم من ذلك التفوق العسكري, فقد أبدى السلطان (مقرن) مقاومة باسلة, سجل فيها أروع مواقف البطولة, والجهاد, والفروسية. واصيب في المعركة بجروح عميقة. واستشهد متأثرا بجراحه. واعترضت سفينة برتغالية السفينة, التي كانت تحمل جثمان السلطان. واحتزوا رأسه, وأرسلوه إلى ملك البرتغال (عمانويل الأول), الذي عبر عن حقده وعدوانيته في خطبته, التي يقول فيها : (( إن الغرض من هذه الحملات البحرية. هو نشر المسيحية, والسيطرة على ثروات الشرق )). .
مشاعل الحرية والجهاد
ومازال اسم السلطان (مقرن) محفورا في ذاكرة المقاومة الإسلامية, كمجاهد نذر نفسه جنديا للحق والحرية. ووقف بصلابة في وجه السفن البرتغالية الغازية.
وينظر الفلبينيون اليوم إلى (لابو لابو) كونه بطلا قوميا قاوم السفن الأسبانية الغازية. وحفظ لهم كرامتهم ومكانتهم بين الأمم. وبنى مجدهم. فأقاموا له في حديقة ( Rizal Park ) نصبا تذكاريا يحمل عنوان (لابو لابو حارس الحرية). تمجيدا لهذا البطل التاريخي, الذي يعد رمزا لحرية ونضال الشعب الفلبيني. .
كان الفارس (لابو لابو), والسلطان (مقرن) يجاهدون في سبيل الله. ومن أجل إعلاء كلمته, ونصرة المسلمين. ومن أجل حرية بلادهم, وتخليصها من الغزاة. ولم يقاتلوا ويحاربوا حبا بالحروب. أو رغبة في إراقة الدماء. بل لتحرير البلاد والعباد من العدو الإسباني والبرتغالي, الذي انتهك أرضهم, ودمر مساجدهم في العام 1521. . كانوا رموزا فريدة في الشجاعة والإيمان. أعطوا بجهادهم المذهل الدليل والبرهان على ان الانسان المؤمن الأعزل يستطيع ان يتحدى الاستعمار, وينتصر عليه.
المصدر رابطة ادباء الشام