قالت الحكماء : مَن أدّب ولدَه صغيراً سُرّ به كبيراً
وقالوا : اطْبَعِ الطّين ما كان رَطْباً ، واغْمِزالعُود ما كان لدنا
وقالوا : مَن أدّب ولدَه غمّ حاسدَه
وقال ابنُ عبّاس : مَن لم يجلِس في الصّغر حيثُ يَكْره لم يَجْلِس في الكِبَر حيثُ يُحبّ .
قال الشاعر :
إذا المرءُ أعيتهُ المُروءةُ ناشِئاً........فَمَطْلَبها كَهْلاً عليه شديدُ
وقالوا : ماأشدّ فِطامَ الكبير وأعسرَ رياضةَ الهَرم
قال الشاعر :
وتَروضُ عِرْسَك بعد ما هرَمت........ومَن العناءِ رياضةُ الهَرِمِ
وكتب شُرَيح إلى معلّم ولده :
تَركَ الصلاةَ لأكْللُبٍ يَسعى بها........يَبْغِي الهِراشَ مع الغواةِ الرّجّسِ
فليأتينّكَ غُدوةً بصحيــــــــــــفةٍ........كُتِبَت له كصحيفة المُتَلـــــــــمّسِ
فإذا أتاكَ فَعَضّهُ بملامَــــــــــــةٍ........وعِظَتْهُ مَوْعِظَة الأديب الكَــيّسِ
فإذا همَمْتَ بضَربِه فبِــــــــــدرّةٍ........وإذا بلغتَ بها ثلاثاً فاحْبِــــــــسِ
واعْلم بأنّك ماأتيتَ فنـــــــــفْسُه........مع ما تُجَرّعني أعزّ الأنْفـــــس
وقال صالح بن عبد القدّوس :
وإنّ من أدبته في الصبـــا........كالعود يُسقى الماء في غرسه
حتى تراه مورقا ناضـــــرا........بعد الذي أبصرت من يُبــــــسه
والشيخُ لايترك أخلاقَــــــه........حتى يُوارى في ثرى رمـــــسه
ما يبلغ الأعداءُ من جاهل........ما يَبْلغ الجاهلُ من نفْـــــــــسِه
وقال عمروا بن عُتبة لمعلّم ولده : ليكُن أوّلَ إصلاحُك لنفسك ، فإنّ عُيونهم مَعْقودة بعَيْنك ، فالحَسن عندهم ما صنعتَ ، والقبيح عندهم ما تركت . علّمهم كتاب الله ولا تكرههم عليه فيملّوه ، ولا تَتركهم منه فيهجروه ؛ رَوّهم من الحديث أشرفه ، ومن الشعر أعفّه ، ولا تنقُلهم من عِلم إلى علم حتى يُحْكموه ، فإنّ آزدحام الكلام في القلب مَشْغَلة للفهم ، وعَلّمهم سُنَن الحكماء ، وجنّبهم محادثة النساء ، ولا تتّكل على عُذر منّي لك ، فقد اتّكلتُ على كِفاية منك .
المصدر : العقد الفريد لابن عبد ربه الاندلسي - الجزء الثاني