وصف الطبيعة في الشعر الأندلسي ..
احتوى الشعر الأندلسي على فنونا شعرية لا تكاد تختلف عن الأنواع الموجودة في المشرق فقد كان هناك فخرا ومدحا ورئاء وغزل وقد تفرد الأندلسيون بنظم الموشح نحواً من ثلاثة قرون أنتقل بعدها إلى الشرق وقد جددوا بكثير من الأغراض الشعرية المستمدة من الواقع الأندلسي وجددوا حتى بطريقة بناء القصيدة فيما يتعلق بالوزن والقافية كما يتضح ذلك في شعر الموشحات.
ومن أهم الأغراض الشعرية التي تميز بها الأندلسيون:
أ. وصف الطبيعة.
ب. الغزل .
ج .الخمريات .
د. رثاء الدول.
هـ . الورديات والزهريات
ولعل مايهمنا في هذا المقام هو الحديث عن شعر وصف الطبيعة:
لم يكن وصف الطبيعة فنا مقصورا ومحصورا في بيئة المغاربة والأندلسيون , بل وجد وبشكل كبير عند البغداديون والمشاركة بشكل عام , حيث وجد عند ابن الرومي والبحتري والصنوبري, وكانت هذه الأسماء لامعه ساطعة في سماء وصف الطبيعة .
ولكن كان لهذه الطبيعة الساحرة أثرها الكبير في خصب عقول الأندلسيين ورفاهية حسهم , ورقة تصويرهم , وسعه خيالهم , ومما ساعد على ازدهار شعر الطبيعة في الأندلس غير الطبيعة نفسها الحياة اللاهية التي عاشها الشعراء, نتيجة التحرر والانطلاق في مجمع الأندلس , لذا كان الشاعر يعتبر الطبيعة مسرحا لحياته اللاهية , وفي أحضانها كان يستسلم للهوه وحبه وخمره , فعكف على تصوير لهوه وعبثه في مجال الطبيعة , وكان ممتزجا بها متفاعلا معها.
مظاهر وصف الطبيعة في الأندلس :
لم يترك الشاعر الأندلسي مظهر من مظاهر الطبيعة أحسه بحواسه وتفاعل معه بمشاعره إلا وصوره وأبدع التصوير ووصفه فأحسن الوصف فوصف الرياض بما فيه من خضرة وحمرة وصفرة وشذا وعبير , وهذا ابن خفاجه استولت على لبه الحدائق الفيح , والمروج الخضر, حيث كان يمرح ويلهوا مع أصدقاءه في جو بهيج,وشاركه الغصن هذا الإحساس والذي توج هذا الجمال ظهور الهلال بعد الغروب كأنه طوق من ذهب يزين برد الغمامة , حين ذاك وصف هذه اللوحة بقوله ..
واهتز عطف الغصن من طرب بنا *** وافتر عن ثغر الهلال المغرب .
فكأنه والحسن مقترن به *** طوق على برد الغمامة مذهب.
مزج الطبيعة بفنون الشعر المختلفة :
مزج شعراء الأندلس وصف الطبيعة بشرب الخمر ومجالس اللهو والطرب والغزل والحب, شرب المعتمد بن عباد الخمر ليلا في جو من النشوة والطرب والطبيعة الخلابة..
ولقد شربت الراح يسطع نورها *** والليل قد مدً الظلام رداءا
حتى تبدى البدر في جوزاءه *** ملكا تناهى بهجة وبهاءا
مزج الغزل بالطبيعة أمر مألوف وخير من فعل ذلك من الشعراء بن زيدون وعبر عن مشاعره لولادة
بقافيه بعثها إليها وهو مختبيء في الزهراء :
إني ذكرت في الزهراء مشتاقا *** والأفق طلق ومرأى الأرض قد راقا
وللنسيم اعتلال في اصائله *** كأنه رق لي فاعتل اشفاقا
يوم كأيام لذات لنا انصرمت *** بتنا لها حين نام الدهر سراقا .
مزج المدح بالطبيعة :
فظاهره خلط المدح بوصف الطبيعة لم تكن من ابتكار الأندلسيون بل سبقهم بها المشارقه حيث كانت أصولها وقد حاول المشارقه القيام بهذا على حذر وتردد وهو مسلم بن الوليد , ثم بدا هذا واضحا في شعر أبي تمام والبحتري , ولكن هذه المحاولات كانت جميعها على حذر وتخوف كبيرين , ولكن وجدت عند شعراء الأندلس بقوة , مثل رائيه ابن عمار في مدح المعتمد بن عباد حيث يقول :
أدر الزجاجة فالنسيم قد انبرى *** والنجم قد صرف العنان عن السرى
والصبح قد أهدى لنا كافوره *** لما استرد الليل منا العنبرا .
هكذا افتتح قصيدته بوصف الطبيعة حتى وصل إلى مدح ابن عباد حيث قال :
عــباد المخضر نائل كفّه *** والجو قد لبس الرداء الاخضرا
أندى على الأكباد من قطر الندى *** وألذ في الأجفان من سنة الكرى .
ويحفظ لنا التاريخ الأدبي بين دفتيه أسماء شعراء لمعوا في هذا المجال : ابن عمار , وابن الشهيد , وابن زيدون , وابن خفاجه , وابن الزقاق.
وصف الطبيعة مزوجاً بــ الرثاء
وتعتبر هذه قفزه جريئة تحتاج لعبقرية وابداع كي تؤدى بأكمل وجه , وذلك لانهم مزجوا الرثاء برصف الطبيعة, حيث البسوا الطبيعة حلل همومهم , وآلامهم الدفينة , وعلى رأس من قاموا بهذه التجربة " ابن خفاجه " حين رثى الوزير أبا عبد الله بن ربيعه حيث يقول في مطلعها :
في كل ناد منك روض ثناء وبكل خد فيك جدول مــاءِ
ولكل شخص هزة الغصن الندي وتحت البكاء ورنه المـكـَّـاءِ
جالت بطرفي للصبابه عبرة كالغيم رق فجال دون سماءِ
وبسطت في الغبراء خدي ذلة أستنزل الرحمى من الغبراءِ .
لاهزني أمل وقد حل الردى بأبي محمد المحل النائي .
غير أن ابن خفاجة يقفز هذه المره قفزة جريئة حين يمزج الغزل والخمر والطبيعة بالرثاء وذلك في ميميته حيث بدأها بالغزل وذكر أيام لهوه ومجونه على طريقه القدامى
فيقول :
ورب ليال بالغميم ارقتها *** لمرضى جفون بالفرات نيام
يطول علي الليل يا أم مالك *** وكل الليالي الصب ليل تمام
ويستمر في ذلك حتى يصل إلى الرثاء ويخلص إليه تخلص حسن
تلذذ بدار القصف عني ساعة *** وابلغ نداماها اعز سلام
وقفت وقوف الثكل بين قبورهم *** أعظمها من أعظم ورجام .
أهم شعراء الطبيعة الأندلسية :
ابن رشيق، ابن خفاجه ، ابن الشهيد، ابن الزقاق، وابن زيدون والرصافي الرفاء ، وابن زمرك.
وبعد أن جلنـا هذه الجولات مع شعر الطبيعة نحب أن نضيف ، أن الشاعر الأندلسي برغم من حبه الجم للطبيعة إلا انه لم يحاول في أحيان كثيرة أن ينفح فيها شيء من روحه ويمزج بهـا أحاسيسه ومشاعره مزجاً تـاماً، بل اكتفى بتصويرها معتمداً على الحواس الخمس وأبرزهـا حاسة البصر، ويبرزه معتمداً في ذلك على خياله وصوره الخلابة ولكن وجد هناك شعراء امتزجوا بالطبيعة وتجانسوا معها كابن خفاجه.
ونخلص إلى أن شعراء الطبيعة الأندلسية فاقوا إخوانهم المشارقه، بعزارة المادة ودقة التصوير وابتكار الفنون ، ونجاحهم في التعبير عن حبهم لبلادهم وتفضيلها على جميع البلدان.
منقول