يعود الصراع المغربي الصحراوي الذي يُعد أحد أقدم القضايا الشائكة في تاريخ تصفية الإستعمار في القارة السمراء إلى ستينات القرن الماضي، حيث كانت لا تزال الصحراء الغربية تخضع للسيطرة الإسبانية وترفض الإعتراف باستقلال هذا الشعب الذي انتفض في 1973 حينما كوّن في الـ10 ماي الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، وهو ما عجّل بانسحاب إسبانيا من الأراضي التي قامت كل من المغرب وموريتانيا باحتلالها في 41 نوفمبر 1975 وتقسيمها بين الدولتين بعد الإتفاق الثلاثي الإسباني المغربي الموريتاني (الساقية الحمراء للمغرب ووادي الذهب لموريتانيا)· وشهد الشهر نفسه انطلاقة المسيرة الخضراء أو مسيرة العار -مثلما يسمّيها الصحراويون- من المغرب بتوجيه من الملك الحسن الثاني ودخولها في الصحراء وضمّت 350 ألف مغربي ·
وفي 62 فبراير 1976 تم الإعلان عن تأسيس الجمهورية الصحراوية الشعبية الديمقراطية وانتخاب محمد عبد العزيز أميناً عاماً لجبهة البوليساريو ورئيساً لمجلس قيادة الثورة ·
أمام توالي هجمات الصحراويين قامت موريتانيا بإعلان انسحابها من إقليم وادي الذهب قبل أن تقوم القوات المغربية باحتلال هذا الإقليم الذي كان تحت السيطرة الموريتانية في 41 أوت 1979 ·
وفي 21 نوفمبر 1981 إنضمت الجمهورية العربية الصحراوية لمنظمة الوحدة الإفريقية وهو ما أعطى الشرعية للقضية ودفع بجبهة البوليزاريو إلى المضيّ في تفعيل عملياتها المسلّحة التي أجبرت المغرب إلى الدخول في مفاوضات حتى الإعلان في 6 سبتمبر 1992 على وقف إطلاق النار بين طرفي النزاع بعد مصادقة مجلس الأمن في 92 أفريل من نفس السنة على قراره رقم 690 القاضي بتشكيل بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الإستفتاء في الصحراء الغربية "مينورسو" ·
وفي 4 نوفمبر 4991 شرعت لجنة تحديد الهوية التابعة لبعثة المينورسو في عملها التحضيري لتسجيل المصوتين الفعليين بفتحها مكتبين بمدينة العيون ·
" بداية تنصل المغرب من قرارات الشرعية الدولية "
حينما وجدت السلطات المغربية نفسها محاصرة بالنتائج الفعلية المتوقعة من عملية الإستفتاء التي لن تكون في صالحها شرعت في التنصّل من التزاماتها وسعت جاهدة إلى عرقلة الجهود الأممية، حتى تم في 1995 تجميد عملية تحديد الهوية بعد خلافات كبيرة بين الطرفين المتنازعين على تفسير الشروط المطلوب توفرها في الناخبين، بعد أن حددت البعثة 147 ألف شخص يحق لهم التصويت ·
وفي ديسمبر 1999 توقفت بصورة نهائية خطة الإستفتاء الأممية بالصحراء بسبب الخلافات الحادة بين الطرفين حول من يحق له التصويت ·
وفي فبراير 2002 عرض كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة تقريرا أمام مجلس الأمن الدولي يقدم أربعة خيارات لحل مشكلة الصحراء :
- تنظيم استفتاء في المنطقة دون اشتراط اتفاق الطرفين ·
- إعطاء حكم ذاتي للصحراويين ضمن سيادة المغرب ·
- تقسيم الصحراء بين المغرب والبوليساريو ·
- سحب الأمم المتحدة للمراقبين الدوليين العاملين في الصحراء منذ 11 عاما وترك الأطراف المعنية وشأنها ·
" قرارات الأمم المتحدة يضرب بها عرض الحائط "
لقد دأبت هيئة الأمم المتحدة منذ تسجيل القضية في أجندتها على إصدار قرارات صادق عليها مجلس الأمن، مثل قرار 1495 وقرار 1591 ومخطط السلام 1990، وإتفاقية هيوستن 1997 و"مخطط بيكر الثاني" لـ2003 والتي لقيت الإجماع بالجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أنها ووجهت بتعنّت شديد من المغرب الذي يرفض أية تسوية تخرج عن منطقه· وقد استندت الهيئة الأممية في الإستدلال على قراراتها بفحوى الحكم الإستشاري لمحكمة العدل الدولية الذي دحض الإدعاءات المغربية ونفى وجود أية روابط "سيادة إقليمية" بين المغرب والصحراء الغربية، ذلك أنها لم تجد براهين تدل على أن المغرب "مارس نشاط حكم فعلي وخاص على الصحراء الغربية"، بحيث أن كل ما وجدت هو بعض روابط البيعة بين "بعض -ولكن فقط بعض- القبائل البدوية في المنطقة والسلطان المغربي"· وانطلاقا من هذا فإن "خلاصات المحكمة بخصوص طبيعة الرابطة القانونية بين المنطقة (الصحراء الغربية) والمملكة المغربية والمجموعة الموريتانية على التوالي تختلف بشكل ملموس عن الآراء المقدمة بهذا الخصوص من قبل المغرب وموريتانيا· ورأي المحكمة أن هذه الروابط لا تشمل السيادة الإقليمية، ولا السيادة المشتركة ولا الدمج الإقليمي في كيان قانوني· وقد أكدت المحكمة من جهة أخرى، على أن حكمها لن يؤثر على الوحدة الترابية للمغرب مثلما كان يدعي لأنه باعتقادها "حق سكان الصحراء الغربية في تقرير المصير مضمون ومكفول وبالتالي فتصفية الإستعمار من الإقليم لا تؤثر على الوحدة الترابية "·
" تزايد عدد الدول المعترفة بالجمهورية الصحراوية "
لقد تلقت الدبلوماسية المغربية غداة اعتراف جمهورية جنوب إفريقيا في 2004 بالجمهورية العربية الصحراوية صفعة قوية، حيث ساهم الأمر في حدوث تحول كبير في مواقف الكثير من الدول خصوصا وأن المغرب لم يكن يتوقع أن تنحو سلطات بريتوريا المحسوبة على الكتلة الأنغلوساكسونية نحو منح التأييد لغريمتها وهو ما دفع بالصحراويين إلى تكثيف جهودهم للتعريف بقضيتهم والتوجه نحو الدول الأوربية التي كانت إلى وقت سابق رهينة النظرة الفرنسية الضيقة التي حاولت الهيمنة على الموقف الأوربي الذي أصبح أكثر استقلالية من ذي قبل، ولم يعد الكيدورسي مثلما كان يقوم في وقت سابق يرسم لوحده معالم السياسة الأوربية تجاه القضية الصحراوية، حيث أصبحت أكثر تحررا ومناصرة لحقوق الشعب الصحراوي ·
" الموقف الجزائري والشرعية الدولية "
تعد الجزائر أحد أكبر المناصرين للقضية الصحراوية التي تعتبرها أحد مسلّمات سياستها الخارجية المعتمدة منذ الإستقلال، والمدعمة لمبدأ تصفية الإستعمار الذي ناضلت من أجل تحقيقه، اعتقادا منها أنه مثلما تجرّع الشعب الجزائري وذاق مرارة الإستعمار وناضل في سبيل حريته وتلقى دعم الدول، فلا بد عليها أيضا أن تدلوا بدلوها في هذا المسار وتدعم جميع الحركات التحررية· وترفض الجزائر الإدعاءات المغربية بكونها طرفا في النزاع الذي تؤكد أنه بين طرفين هما المغرب وجبهة البوليزاريو ولا يتعدّى دور الجزائر المراقب لمسار فض الخلاف وتفعيل مسار تسوية مسألة الصحراء الغربية وتشجيع طرفي النزاع على أن يتبعا بحسن نية هذه التوصية المطابقة لمذهب الأمم المتحدة بخصوص تصفية الإستعمار والمراجع الحتمية للشرعية الدولية ·
وعلى غرار العديد من الدول الأخرى الأعضاء في الأمم المتحدة، تعتبر الجزائر كل محاولة أحادية الجانب تخرج عن لوائح الجمعية العامة ومجلس الأمن الأممي غير مجدية، بحيث أنها ترمي إلى إقرار علاقة سيادة لا وجود لها في الواقع ·
وتجدد الجزائر قناعتها بأن الإطار الذي أقرّته المجموعة الدولية بالإجماع للتوصل إلى حل لهذه الحالة الأخيرة من تصفية الإستعمار في إفريقيا يعتبر القاعدة الصحيحة سياسيا والصالحة قانونا لتحديد الوضع النهائي بالصحراء الغربية بشكل ديمقراطي، سلمي، عادل ودائم ·
" مبادرات متناقضة والمغرب يعود لنقطة الصفر "
بإعلانها عن مبادرتها الأخيرة، تكون الرباط قد أعادت القضية المتنازع عليها منذ أزيد من ثلاثة عقود إلى نقطة الصفر، ضاربة عرض الحائط كل جهود التسوية السابقة ·
وتنص المبادرة المغربية على أن يتولى سكان الصحراء تدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال سلطات الإدارة المحلية والشرطة وهيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية ·
أما المغرب فيحتفظ بمقوّمات السيادة ولا سيما العلم والنشيد الوطني والعملة، كما يتولى "الإشراف على الأمن الوطني والدفاع الخارجي والوحدة الترابية والعلاقات الخارجية والنظام القضائي للمملكة "·
ودعا المغرب إلى الإنخراط في مفاوضات جدية وبناءة وتوفير الظروف المواتية للشروع في مسار للتفاوض، والحوار كفيل بأن يفضي إلى حل سياسي مقبول من جميع الأطراف ·
اقتراح البوليساريو
في المقابل أكدت اقتراح جبهة البوليساريو استعدادها لإعطاء المغرب ضمانات بشأن وضع المقيمين المغاربة في الصحراء والإستغلال المشترك والعادل لمواردها وضمانات أمنية أخرى ·
ووصف رئيس الجمهورية الصحراوية المقترح بأنه مرن وبنّاء يتماشى مع الشرعية الدولية المتمثلة في قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة "بما يضمن حقوق الشعب الصحراوي الوطنية في تقرير مصيره من خلال استفتاء حر "·
وأشارت البوليساريو أيضا إلى رغبتها في التعاون وعلاقات حسن جوار مع المملكة المغربية وجميع دول المنطقة.
" تحولات الموقف المغربي ودوافعه "
يشير المراقبين إلى أن الموقف المغربي سجل تراجعا كبيرا وتحوّلا منذ اعتلاء الملك الشاب محمد السادس لمقاليد الحكم منذ وفاة والده الراحل الحسن الثاني في جويلية 1999· وتعود خلفيات هذا التحوّل الكبير مثلما تذهب إليه قراءات الخبراء إلى نقص خبرة وريث عرش العلويين الذي عجز عن وضع تصورات أكثر عقلانية مثلما كان من قبل والده الذي كان يتوجه نحو حل القضية، وهذا بسبب إملاءات مقربيه الذين حاولوا توجيه أنظار الشعب المغربي الذي يعاني مشاكل عديدة نحو الجبهة الخارجية وإمتصاص الغضب الشعبي بالتأكيد على ضرورة حماية الإقليم والحفاظ على السيادة المغربية ·
وشكلّت المواقف المتناقضة للملك الشاب متاعب لأركان نظامه الذي يذهب الكثيرين منهم إلى ضرورة معالجة القضية الصحراوية بسرعة من أجل الإلتفات أكثر لبرامج التنمية المحلية، غير أن الملك الذي سيطر عليه بعض رجال الظل أخد بآراء هذه اللوبيهات التي تسير وفق الإملاءات الخارجية التي تسيّرها مكاسبها الإقتصادية في المنطقة التي تجلب إهتمام كل الأطراف.