استقالة غسان بن جدو الاحتجاجية تثير العديد من علامات الاستفهام
قناة 'الجزيرة' تستغني تدريجيا عن 'نجومها' الكبار وتخطط لمرحلة جديدة مختلفة
لندن 'القدس العربي' أثارت استقالة غسان بن جدو، الاعلامي التونسي، من قناة 'الجزيرة' الفضائية الكثير من ردود الفعل داخل القناة وخارجها بسبب برنامجه الناجح 'حوار مفتوح'، الذي كان يقدمه كل يوم سبت من كل أسبوع، وكذلك ادارته لمكتب القناة في بيروت، حيث تألق في تغطية وتحليل الحرب الاسرائيلية على لبنان في صيف عام 2006، علاوة على تعاطيه المهني مع تطورات الاوضاع اللبنانية الداخلية.
وكان لافتا ان الاستقالة جاءت احتجاجية، على غرار استقالات زملائه وزميلاته السابقين، مثل حافظ الميرازي (مدير مكتب واشنطن)، ويسري فودة (مقدم برنامج سري للغاية)، وعبد العزيز عبد الغني (مدير مكتب القاهرة)، ويوسف الشريف (مدير مكتب اسطنبول)، وأكرم خزام (مدير مكتب موسكو)، بالاضافة الى المذيعات جمانة نمور ولونة الشبل ولينا زهر الدين.
السيد بن جدو اعرب عن اعتقاده بأن قناة 'الجزيرة' خرجت عن المهنية التي عرفت بها أثناء تغطيتها للاحداث في كل من سورية وليبيا، واصبحت تستخدم اسلوب التعبئة والتحريض. الامر الذي دفعه للاستقالة، وانهاء علاقته بالمحطة، وقــــد أرسل استقالته المكتوبة فعلا الى ادارة المحطة، مثلما ذكر في مقابلة مع محطة 'المنار'.
القراء في المواقع الاخبارية على الشبكة العنكبوتية (الانترنت) انقسموا في مواقفهم تجاه هذه الاستقالة، فالمعسكر الاول أشاد بالسيد بن جدو وموقفه هذا، واعتبروه موقفا مشرفا، والمعسكر الآخر رأى انه تسرع في قراره، وذكروه بأنه لم يستقل عندما كانت المحطة تتبع الاسلوب نفسه في تغطيتها للثورات في مصر وتونس واليمن.
قناة 'الجزيرة' تعرضت لاتهامات بالانتقائية في تغطيتها للثورات العربية، وأخذ عليـــها الكثير من المشاهدين عدم تعاطيها بشكل موسع مع ثورات في سلطنة عمان والبحرين، مثلما تعاطت وتتعاطى مع ثورات اليمن وسورية ومصر، وقــــد لمح الســـيد بن جدو الى هذه النقطة في احاديثه لبعض الصحف اللبنانية مثل 'السفير' التي كانت أول من نشر نبأ الاستقالة على صفحتها الاولى.
وكانت قناة 'الجزيرة' قد أوقفت جميع البرامج التلفزيونية التي صنعت شهرتها منذ أربعة أشهر تقريبا، مثل الاتجاه المعاكس (فيصل القاسم)، وبلا حدود (أحمد منصور)، والشريعة والحياة (الشيخ القرضاوي)، ومن واشنطن (عبد الرحيم فقراء)، وفي العمق (علي الظفيري)، وهذه البرامج ساهمت بدور كبير في شهرة قناة 'الجزيرة' بسبب شعبيتها الكبيرة في أوساط المشاهدين.
السيد وضاح خنفر مدير عام القناة قال ان سبب توقيف هذه البرامج يعود بالدرجة الاولى الى انفجار الثورات الشعبية العربية، وتلاحق احداثها على مدار الساعة، الامر الذي حتم اعطاء الاولوية للتغطية الاخبارية على حساب البرامج الاسبوعية.
ويبدو ان الانتقادات للمحطة لم تتوقف عند مهنيتها وموضوعيتها فقط، بل امتدت الى الضيوف الذين يشاركون في تغطيتها البرامجية الاخبارية، فقد نشرت أمس صحيفة 'العرب' القطرية اليومية آراء العديد من المثقفين القطريين الذين يتساءلون عن أسباب ابعادهم عن الظهور على شاشة المحطة، والاستعانة بخبراتهم للتعليق على تطورات الاحداث، خاصة ان نسبة كبيرة منهم على درجة كبيرة من الدراية ويحملون شهادات عليا.
وكانت ادارة القناة قد ابعدت الكثير من الخبراء المحايدين عن الظهور على الشاشة للتعليق على تطورات الثورات العربية، واكتفت فقط بعدد محدود جداً من الناشطين السياسيين، خاصة من اوساط المعارضة.
واذا كان المستقيلون السابقون من محطة 'الجزيرة' مثل الميرازي وفودة وعبد الغني وخزام انضموا او في طريقهم الى الانضمام الى محطات فضائية مصرية او عالمية (خزام انضم الى 'الحرة' والشريف الى 'العربية') فانه مازال من غير المعروف اين ستكون وجهة السيد بن جدو.
مراسل 'القدس العربي' في بيروت الزميل سعد الياس اتصل بالسيد بن جدو للاستفسار عن هذه المسألة وغيرها، واجراء حوار معه، فاعتذر بلطف شديد كعادته، وقال انه لا يريد الحديث الآن بسبب انخراطه في بحث ترتيبات وضعه الحالي مع قناة 'الجزيرة' ووعد بتلبية هذه الرغبة في فترة لاحقة.
وعلمت 'القدس العربي' ان الزميل بن جدو تلقى عدة عروض لتأسيس قناة فضائية اخبارية جديدة على غرار قناة 'الجزيرة'، وان احد العروض او بالاحرى اقواها، يتبلور حالياً، وان ميزانية 'معقولة' قد جرى رصدها لتمويل محطة 'مختلفة'، تلتزم بـ'الثوابت العربية'، على حد قول مصدر مقرب جداً منه.
قناة 'الجزيرة' تدخل مرحلة جديدة مختلفة على حد وصف احد المراقبين الاعلاميين في الدوحة، واضاف لـ 'القدس العربي' ان هناك محاولة في ما يبدو ليس لتغيير 'جلدها' فقط، وانما ايضاً لكل نهجها السابق، وتجديدها بالتدريج بضخ دماء جديدة، والاستغناء عن معظم الوجوه القديمة بشكل تدريجي.
المصدر نفسه قال لـ'القدس العربي' ان ادارة المحطة تريد الغاء ظاهرة المذيع او المقدم 'النجم' واستبدالها بمقدمات او مقدمين جدد، يقرأون الاخبار فقط، ويسألون اسئلة يعدها المنتج للنشرة، وهذا ما يفسر الطوفان الكبير للوجوه الجديدة الشابة والمغمورة تقريباً من المذيعين والمذيعات، مع استثناءات محدودة للغاية.