خصائص أسلوب القرآن الكريم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد :
فقد تكلم العلماء عن خصائص القرآن الكريم، وبينوها، وضربوا لتلك الخصائص الأمثلة، ومن تلك الخصائص التي ذكروها أسلوب القرآن ، وذكروا خصائص أسلوب القرآن الكريم ومنها :
1- من خصائص أسلوب القرآن الكريم نظمه :
والمقصود بنظمه طريقة تأليف حروفه، وكلماته، وجمله، وتناسقها، وسبكها مع أخواتها في قالب محكم، ومن ثم استعمالها للدلالة على المعاني، بأوضح عبارة، وفي أعذب سياق، وأجمل نظم، والعرب وهم الفصحاء وهم أهل البلاغة والبيان قد بهرهم القرآن في نظمه، وسياق لفظه في كل خبر، وصورة كل عظة، وبهرهم أنهم تأملوه سورة سورة، وعشراً عشراً، وآية آية، فلم يجدوا إلا التناسق في التعبير، والتصوير وقوة التأثير بهر العقول وأعجز الجمهور، ووجدوا اتقاناً وإحكاماً لم يدع في نفس بليغ من العرب موضع طمع أن تقول مثله، حتى خرست الألسن عن أن تدعى وتتقول .
2- ومن خصائص أسلوب القرآن وقعه :
ويقصد بوقعه نظامه الصوتي، وجماله اللغوي، فأول ما يلاقيك ويستدعي انتباهك من أسلوب القرآن العظيم وقعه الصوتي في شكله وجوهره، فلا تمله الأسماع، بل تتلذذ به، وتتأثر بمختلف أساليبه في عرض الحقائق ومناقشة القضايا، فهذه سورة الفاتحة على كثرة تردادها فإذا أنصت وتأملت كأنك أول مرة تسمعها، وذلك من عظيم وقعه، سواء كان من نظامه الصوتي، أو من جماله اللغوي، والمتأمل يجد الجمال الساحر، و الإعجاز الباهر .
3- ومن خصائص أسلوب القرآن أنه لا يعلو عن أفهام العامة ولا يقصر عن مطالب الخاصة :
فأسلوب القرآن مؤثر على العامة والخاصة، يقرؤه العالم فيدرك خصائصه وبلاغته، ويؤثر فيه بيانه، ودقيق علومه ومعارفه،ويقرؤه العامي فيشعر بجلاله، وحلاوته، فيخشع قلبه، وتدمع عينه، فينقاد له ويذعن، وأسلوب القرآن يؤثر على الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والملوك وسائر الناس، وهذا لا يكون إلا في القرآن العظيم بأسلوبه المؤثر في كل زمان وكل مكان .
4- ومن خصائص أسلوب القرآن العظيم إرضاؤه العقل والعاطفة :
أي أن أسلوب القرآن يخاطب العقل والقلب معاً ويجمع أيضاً بين الحق والجمال، فتراه مثلاً في استدلاله على البعث في وجه منكريه يهز القلوب هزاً، ويمتع العاطفة إمتاعاً، فأسلوب القرآن يغذي العقول بالأدلة العقلية، ويرفه عنها باللفتات العاطفية، بل إن أسلوب القرآن لما جمع بين العقل والعاطفة كان أثره عظيم في هداية الإنسان لسعادة الدنيا والآخرة .
5 - ومن خصائص أسلوب القرآن العظيم جودة السبك وإحكام السرد :
أي أن القرآن مترابط الأجزاء، ومتناسب تناسباً قوياً، وأسلوب القرآن يظهر فيه ترابط أجزائه، وتماسك كلماته وجمله وآياته، مع طول نفسه وتنوع موضوعاته ومقاصده، وتنوع فنونه البلاغية في الموضوع الواحد، كأنه سبيكة واحدة، تأخذ بالأبصار، وتلعب بالعقول والأفكار، وهذا وغيره دال على جودة السبك وإحكام السرد بين أجزاء تلك السبيكة البديعة المتآلفة التي تريك كمال الانسجام بين سور القرآن وآياته .
6- ومن خصائص أسلوب القرآن العظيم عرض المعنى الواحد بعدة أساليب :
إن أسلوب القرآن العظيم قد جاء بعرض الموضوع الواحد بأساليب متنوعة، وطرق مختلفة بين إنشاء، وإخبار، وإظهار، وإضمار، وتكلم، وغيبة، وخطاب، وماض، وحاضر، ومستقبل، واسمية، وفعلية، واستفهام، وامتنان، ووصف، ووعد ووعيد، إلى غير ذلك مما لا يحصى، وقد ذكر العلماء صيغ الأمر- مثلاً- في القرآن بأساليب متنوعة والمعنى واحد وهو طلب الفعل من المخاطبين ومثله النهي فقد ورد بأساليب متنوعة .
7- ومن خصائص أسلوب القرآن العظيم الجمع بين الإجمال والبيان، وكذا إيجاز اللفظ مع وفاء المعنى :
إن أسلوب القرآن انفرد بالجمع بين الإجمال والبيان، حيث تقرأ الآية القصيرة التي فيها إجمال وعند التأمل يلوح لك معانٍ كثيرة، وإذا تأمل غيرك وجد فيها غير ما لاح لك من عظيم المعاني والأسرار، ولو تأملها النحاة والبلاغيون لوجدوا فيها ما يبهرهم، ولو تأملها علماء الشريعة لوجدوا فيها من المسائل الكثير، وقد اطلعت على تفسير الإمام القرطبي قال في قول الله تعالى: " الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ " وفيها ست وعشرون مسألة .
وأسلوب القرآن فيه إيجاز اللفظ، فلا زيادةً لا معنى لها، ولا قصور في حرف لا يصلح ولا يستقيم المعنى إلا به، وسرّ ذلك أنه كلام رب العالمين الذي جمع بين الإيجاز باللفظ، والوفاء التام بالمعنى، وذلك أن أسلوب القرآن يستثمر أقل ما يمكن من اللفظ في توليد أكثر ما يمكن من المعاني .
8- من خصائص أسلوب القرآن تصوير المعاني :
إن من سمات الأسلوب القرآني هو تصوير المعاني في الذهن، وإبرازها في صورة كأنها حاضرة، فيصور المشاهد الطبيعية، والحوادث الماضية، والقصص، والأمثال، ومشاهد يوم القيامة، وصور النعيم والعذاب وحالات الناس فيها كأنها حاضرة مشاهدة بالتخييل الحسي، وهذا الأسلوب يخاطب الحس والوجدان، وتصل إلى النفس من منافذ شتى، بل إن القرآن بأسلوبه يصور المعاني وكأنها شيء محسوس، فنقل اليوم من زمن لا كثافة له ولا وزن، فجعله محسوساً، في مثل قول الله تعالى: " وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً " ونقل الغيبة وهي ذكرك أخاك بما يكره إلى شيء محسوس، وهو أكل لحم الميتة في قول الله تعالى: " أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ " .
فتلك سمة بارزة في أسلوب القرآن الكريم بقصد التأثير، تلين له القلوب، وتقشعر منه الجلود، وتفيض بعظيم تأثيره الدموع، فالقرآن بأسلوبه الذي يصور المعاني يقود السامع إلى الانقياد لله تعالى بالتوحيد، ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالاتباع .