تلقّى الفريق الوطني الجزائري لكرة القدم هزيمة نكراء أمام نظيره المغربي، هل نحن في حاجة للإستغراب؟ لا، أبدا، إنها مرة أخرى برهان أليم على فشل الدولة ككل!
لو أجريت مسابقة حول مستوى التعليم لدى تلاميذ مدارسنا وتلاميذ دول ذات نمو مماثل، سيكون ترتيب الجزائر مع الأخيرين، حتى ولو حقّقنا، في السنوات الأخيرة، أرقاما مذهلة بالنسبة لعدد الناجحين في إمتحان البكالوريا بملاحظة حسن وحسن جدا! وكذلك الحال لوقارنا نوع الوضع الصحي للطبقات المحرومة عندنا بنوعية الوضع الصحي في هذه الدولة لكان ترتيبنا سيئا. هكذا يأتي ترتيبنا في مؤخرة طابور المؤشرات الدولية: بيئة الأعمال ومؤشر التنمية البشرية وبرنامج مكافحة الفساد والحكم، والحكومة الإلكترونية وغير ذلك. كانت الجزائر في أزمة عندما كنّا في ضائقة مالية سنة 1993، وهي الآن أيضا في أزمة مع توفر الموارد المالية، فلا يتعلّق الأمر إذًا بعدم توفر الموارد ولا بغياب الكفاءات. إذا وقع حادث لسيارة في مكان ما يمكن تعليله بخطأ ارتكبه السائق أو بسبب عطل في السيارة، لكن إذا وقع نفس الحادث عدة مرات في نفس المكان فيجب النظر في حالة الطريق. ظروف الحياة الحالية صعبة، وظروف الأجيال القادمة مرهونة بسبب تحويل احتياطيات غير متجدّدة (المحروقات) إلى إحتياطيات متبخّرة (العملة الصعبة المودعة في البنوك الأجنبية).
يُطالب الشعب الجزائري، وخاصة الشباب منهم باسترجاع سيادتهم ليتمكّنوا من الإختيار بحرية من هم أومن هن، قادرين على إيجاد الحلول لقضاياهم: غلاء المعيشة والبطالة والسكن والزواج، والآفاق المستقبلية والصحة والتعليم والحماية الإجتماعية وغير ذلك. إن قضايا المواطنين، والشباب منهم بصفة خاصة، غائبة عن أجندة اهتمامات القمة، وبدلا من الإستجابة لمشاغل الشباب يحاول النظام استعطافهم لضمهم لحاشيته. إن مثل هذه الأجواء تفتح الباب على مصراعيه أمام الفساد وتدفع بالمؤسسات إلى الهشاشة. هذا هو الطريق المؤدي إلى خلل وتعميق الهوة بين الحاكم والمحكوم.
لم ينل الشعب والشباب حقهم من التقدير، وحُكم عليهم بالعزلة منذ أمد بعيد... وهم الآن يطالبون بالتغيير. لأنه بدون تغيير فإن الجزائر ستتوجه نحو الإنفجار الإجتماعي، بسبب هذه الخلطة سريعة الإلتهاب والمتكونة من الفقر، وفقدان الأخلاق الجماعية والفساد المتفشي في المجتمع. هل يجب أن يأتي التغيير عن طريق انتفاضة أم ثورة؟ إذا جاء التغيير عن طريق انتفاضة، فإن الشعب، وخاصة الشباب منهم، سوف يعبرون عن سخطهم بالتخريب، ولابد من تقديم قربان لتهدئتهم، ويصبح قادة النظام في أولى قائمة المهددين. إن التجربتين التونسية والمصرية أثبتتا بأن الحكام لن يستطيعوا مستقبلا التفكير في إقامة ملكية بالخارج إذا اضطروا إلى مغادرة بلدانهم، ولن يستمتعوا بما كنزوه من مال تحصلوا عليه بطرق غير شرعية وأودعوه في بنوك بالخارج، وسيُعامَل أهلهم وذويهم بنفس المعاملة، وسوف لن ترحّب بهم القوى الدولية.
عند الأخذ بعين الإعتبار كل هذه الأمور فإن الماسكين حاليا بزمام الأمور هم تحت ضغوطات مختلفة: المجتمع وعائلاتهم، والمقربين من مساعديهم ومن القوى الدولية. وجاء تصريح مجموعة الـ''8 الكبار'' بخصوص ''الربيع العربي'' واضحا تماما، وهذه إحدى إقتباساته: ''إن التغييرات الجارية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي تاريخية، ولها القدرة على فتح الطريق لمثل التغييرات التي تمت بأوروبا الوسطى والشرقية بعد سقوط جدار برلين... وإن مجموعة الـ8 تؤيّد بشدة طموحات ''الربيع العربي''... نحن نستمع لأصوات المواطنين ونؤيّد تصميمهم على العدالة ونؤازرهم في ندائهم المشروع للعيش في مجتمعات متفتّحة ومن أجل عصرنة إقتصادية للجميع. ننادي اليوم ''بشراكة دوفيل'' مع دول الجوار، ستكون للشراكة ركيزتان: سيرورة سياسية للتكفل بالمرحلة الإنتقالية نحو الديمقراطية وتأييد تغيير نظام الحكم، خاصة منها ما يتعلّق بمحاربة الفساد ودعم المؤسسات الضرورية لضمان الشفافية وتحمّل الحكومات لمسؤولياتها، وخلق إطار اقتصادي لنمو دائم ولصالح الجميع''. إن التغيير، حسب الواقع المعيش مؤخرا في المنطقة، بات حتميا وقريبا، إن الخيار واضح فهو يتأرجح بين:
(أ) استمرار الوضع الحالي المتمثل في غياب الحكم، وإعلانه عن إصلاحات تجميلية، وانتظار المسيرة الحتمية نحو العنف الإجتماعي والإنحراف الخارج عن السيطرة.
(ب) إما استيقاظ المشاعر لدى المسؤولين الأوائل وكل القوى السليمة في البلد، لأن الأمة في خطر والمطلوب العمل جماعيا على الإعداد والتصميم والإشراف على تحقيق التغيير دون اكتفاء بإصلاحات تجميلية. أتوجّه إلى كل من يحمل الأمّة الجزائرية في قلبه، أناشده بالعمل والتعبئة السلمية لكل الطاقات الخلاقة في هذا البلد دون إقصاء ودون أحكام مسبقة، من أجل إعداد وتنفيذ التغيير للخروج من الأزمة وتجنّب الفوضى وانشطار البلاد. بعيدا عن الأفكار الطائفية أو السياسية، تجدر الإشارة إلى أنه اليوم لم يعد المجتمع الجزائري في حاجة إلى حجج إضافية للتأكد من هزالية تسيير البلاد. لقد تخطيّنا فترة التحليل والتقييم، وحتى تقديم الإقتراحات لمعالجة الأزمة. ها هو الفقر يقيم ببلدنا المشهود له بالغنى والقوي بعزم رجاله، لم يعد تحليل كهذا يعني شيئا. إن الأمر المستعجل هو التعبئة السلمية لتغيير كل نظام الحكم، يكون من أولوياته إعادة بناء الدولة والإقتصاد والمدرسة. أما قضية المشاورات لإصلاحات سياسية يمكن مقارنتها مع المقولة ''هذه ساعة عاطلة تقدّم الوقت بدقّة مرتين في اليوم!''.