تشهد دور الشّباب في القبة، حسين داي، الحراش وغيرها المتواجدة في ضواحي الجزائر العاصمة، دروسًا دورية في الموسيقى لفائدة المئات من أطفال الاحتياجات الخاصة أو المصابين بأمراض مزمنة، وهي دروس يواظب كل من أمين، فيصل، نورة، زفيرة، وغيرهم من أساتذة الموسيقى على منحها بمعدل ثلاث حصص أسبوعيًّا، ما مكّن بحسب نبيل مصطفاوي من مساعدة الأطفال المعنيين على تخطي عتبة الإعاقة والمرض، وصقل مواهب يمكنها أن تتحوّل لاحقًا إلى طاقات إبداعية مميزة.
ويقول جمال مراحي رئيس جمعية شمس للفنون العلاجية، إنّ الموسيقى أضاءت طريق الصغار ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يعانون بشكل خاص الانطوائية أو التوحد، ويضيف مراحي أنّ وصفة الموسيقى أرشدت الأطفال وأولياءهم إلى طريقة ممتعة وخلاّقة تمكّنهم من تخطي العراقيل التي يواجهونها في سبيل الاندماج في مجتمعهم والعيش فيه كأقرانهم العاديين.
ويشير عدلان بلحي إلى أنّ فنًّا راقيًا بقيمة الموسيقى بمثابة علاج جماعي مجدي ينبئ بثورة في الطب النفسي للانطوائيين، حيث بفضله تحولت حياة كل من أمين، عمر، عبير والكثير من الأطفال المرضى رأسًا على عقب، خصوصًا مع سحر الموسيقى واختراقها للأفئدة وإلهابها لأحاسيس المتلقين، ما يلائم الشريحة المستهدفة.
وهو ما يؤيّده سمير حتو الذي يلح على أنّ علاج الانطوائيين وكذا المصابين بعلل أخرى ليس بالضروري طبيًّا، بل قد يتم عبر وسائط الموسيقى والرسم والمسرح وغيرها، ويستدل محدثنا بإنتاج هؤلاء لإبداعات رسمت البسمة على شفاه أقرانهم الصغار وشدت انتباه العديد من الكبار. كما يشدد جمال مراحي على أنّ العلاج بالموسيقى يسهم برفقة أشكال أخرى من الفنون، في خلق مساحات للتعارف وتبادل الأفكار بين مختلف الشرائح ومساعدتهم المصابين باختلالات عضوية ونفسية، وتبديد الآلام التي يشعرون بها وتمكينهم من التحدث، على اعتبار أنّ ذلك هو بداية التعافي الحقيقي، بدل لجوء الأطباء في غالب الأحيان إلى إعطاء الأطفال المرضى أقراصًا مهّدئة ينصح آخرون بتجنّبها.
ويبرز الأستاذ عبد الله بوشناق أنّ الموسيقى كآلية علاجية تتجاوب مع حتمية الانفتاح بشكل أكبر على عالم الانطوائيين ومرافقتهم وإدماجهم اجتماعيًا، بعدما ظلت هذه الفئة تعاني إلى وقت قريب فقدانها حقوقًا أساسية تبعًا لاعتبارهم الخاطئ في السابق كـ(متخلفين عقليا)، جراء نقص المنشآت والعجز المسجّل على مستوى التأطير.
وشكّل التكفل بأطفال الاحتياجات الخاصة عبر دور الشباب حلاًّ لمعضلة لطالما أرّقت المعنيين، بحكم افتقاد هذا الصنف إلى مرافق متخصصة وطواقم مؤهلة لضمان التكفل والمتابعة، ما جعل العائلات التي لديها أطفال مرضى مواجهة الوضع لوحدها.
في سياق متصل، تثمّن الدكتورة سميرة يونسي ممارسة العلاج الموسيقي، لأنّ الأخير بمنظورها يعبّد الطريق أمام التكيف الاجتماعي للأطفال المرضى الذين يفيد معهم تطوير جوانب اجتماعية واتصالية على غرار الموسيقى.
ويستجيب العلاج بالموسيقى لتصور روني بري الأخصائي الفرنسي الذي يشدّد على أهمية استفادة الأطفال الذين يعانون من الانطوائية من الظروف التربوية نفسها كغيرهم من الأطفال الآخرين شريطة أن تتم مرافقتهم لدى دخولهم العالم العادي، ولذلك يتعين التكفل بهذا الاضطراب المبكر والمتوسع والدائم وغير المتجانس لتلبية احتياجات التكيف الاجتماعي والصحة والتعلم.
إلى ذلك، يرى أخصائيون، أنّ ضمان تكفل أحسن بالحالات الانطوائية، يمرّ عبر متابعة تنفذها فرق متكونة من أخصائيين في علم النفس والبيداغوجية والنطق والحركة والمربّين، كما يركّز أطباء وخبراء السيكولوجيا على أهمية تخصيص المنشآت المواتية للتكفل بالمصابين من خلال إنشاء مراكز- موارد للانطوائيين، بغية استقبال الأطفال وأوليائهم الذين يعتبرون طرفًا مهمًّا في عملية التكفل بهذا المرض.
وبشأن تشخيص الانطوائية، ترى عمارية بغدادلي أنّ الانطوائية كداء، تتحدد في ثلاثة أعراض، وتتمثل في وجود صعوبة في العلاقات مع الآخرين، واضطرابات في التواصل الشفهي وغير الشفهي، فضلاً عن اهتمام محدود وسلوك متكرر.
وتركّز عمارية على الإشارات التي تلازم المريض الانطوائي مثل الاضطراب القلق والتخلف الذهني والتشويه الذاتي والصرع واختلال التنسيق الحركي، وكذا إشارات الإنذار عند الرضع من 12 إلى 24 شهرًا، حينما لا تصدر عنهم حركات للتعبير وإجابات عند مناداتهم بأسمائهم ولا كلمات أو جمل قصيرة، فإنّ الوضع يدعو إلى قلق الأولياء الذين يجب أن يستشيروا على الفور أخصائيين في علم النفس الطفولي.
منقول