المرء على دين خليله
إخوتي في الله:هل سمعتم بعقبة بن أبي معيط؟ رجل من أهل مكة ، نشأ في رحابها، وعاش على ترابها، كان صديقا حميما لعدو الله أبي بن خلف الذي كان رأسا في الشرك والضلال والعدوان ، وذات يوم أقام عقبة بن أبي معيط وليمة ودعا الناس إليها، وكان فيمن دعي إلى الوليمة النبي ، فأبى رسول الله أن يستجيب لدعوته ويطعم من طعامه حتى يشهد أن لا إله إلا الله، فأسلم عقبة بن أبي معيط بين يدي رسول الله ، وطار الخبر إلى صديقه الحميم أبي بن خلف فجاءه رجل وقال له : إن صديقك عقبة صديق العمر والمسامرات ، ذهب إلى محمد وأعلن إسلامه، فغضب أبي ابن خلف وجاء غاضبا منتفخا، وقال لعقبة: بلغني أنك صبأت، وجهي من وجهك حرام حتى تأتي محمدا فتبصق في وجهه، وذهب عقبة وفعل ما أُمره به صديقه الحميم.هذا هو الحدث الذي حصل في الأرض،
أما الذي حدث في السماء، فنزل جبريل يتلو قوله تعالى: (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا).
أخي المؤمن: قل لي بربك من تصاحب؟ ومن تجالس؟ أقل لك من أنت..إنها القضية الكبرى في حياتنا، إنها المشكلة الضخمة في حياة شبابنا وفتياتنا. صديقك هو طريقك إلى الهداية، أو إلى الغواية،طريقك إلى الاستقامة، أو الانحراف. طريقك إلى المساجد والمحاسن وتلاوة الآيات. أو طريقك إلى الفواحش والمنكرات والمخدرات.
نعم. أخي المسلم. الصاحب: ساحب. يسحبك إلى الجنة أو يسحبك إلى النار، يسحبك إلى النجاح أو يسحبك إلى الضياع .
قال الرسول : (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل).
أخي المؤمن: إنها مشكلة العصر، فلو أقسمت لصدقتموني، أنه ما ضل ضال، ولا غوى غاوٍ، ولا زنا زانٍ، ولا تخنث متخنث، ولا سرق سارق، ولا أدمن مدمن، ولا عق عاق، ولا تهاون بالصلاة متهاون، إلا بسبب جليس سوء وصاحب هوى .
قف على عنابر السجون، قف على دور إعادة التربية، سل الضحايا ، سلهم عن ضياعهم وسجنهم سلهم عن ذنوبهم وجرمهم ، فو الله لتسمعن من تلك القلوب المكلومة والأنفس المجروحة، وهي تنطق بلسان جريح من وراء القضبان.. إنه الصديق والزميل والصاحب ، هو الهاوية والنهاية المؤلمة.
اختر قرينك واصطفيه تفاخرا : إن القرين إلى المقارن ينسب
واحذر مصاحبة اللئيم فإنها : تعدي كما يعدي السليم الأجرب
قال أبو الأسود الدؤلي: ما خلق الله خلقا أضر من صاحب السوء .
أخي المؤمن: إياك ثم إياك أن تستهين بالصاحب والصديق، إياك ثم إياك أن تطأطئ برأسك وتصر على صاحب ضره أقرب إليك من نفعه فإن التأثير جار لا محالة، فمن رعى الإبل تأثر بأخلاقها وخيلائها ومن رعى الغنم تأثر بأخلاقها وسلوكها.
فها هي عدوى التدخين والمخدرات، ومساوئ الجوالات والغزل والمعاكسات، وعقوق الآباء والأمهات والسب والشتم وضياع الأدب والتهاون بالصلوات، يسري في أبنائنا بلا تمهل كالريح إذا مرّت على النتن حملت نتنا.
أخي المؤمن :يقول الرسول : (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة ) .
نسأل الله تعالى أن يهدينا ويهدي شبابنا إلى الحق وإلى الطريق المستقيم، كما نسأله تعالى أن يعيننا على حسن تربية أبنائنا وبناتنا آمين.