جميل أن ترى مقهى على قدر عال من الذوق، أنواره و إضائته تعطي من يدخل إليه شعورا بأن وقتا رائعا ينتظره، يسبقك النادل و يستقبلك و يقدمك للطاولة المناسبةيصاحبه في كل ذلك ابتسامة و ترحيب، بالتأكيد سوف تدفع قبل خروجك منه مبلغا جيدا من المال لقاء هذه الجلسة و الطلبات الفاخرة التي سوف تطلبها، و لكن بعيدا عن هذا المعنى المجانب للرومانسية، فمن الأفضل أن نعيش أجواء المقهى من الداخل لنرى ما فيه، من أطباق الحلوى أو أصناف الشاي و أكواب القهوة و أشكال المرطبات و المطعومات، أو نرى الديكور و التحف، أو نستنشق عبق رائحة البخور و العطور، أو نستمع إلى نغمات الموسيقى، أو ربما سعادة اللحظات التي نلتقي فيها مع من نحب من أصدقاء، أو موعد غرامي بين حبيب و حبيبه...
غير أن منظرا لفت انتباهي في وسط ذلك المقهى المزدحم، ربما أحب هذا المكان الكثير من سكان تلك المدينة الكبيرة المكتظة بالسكان، و ربما يكون المنتدى المفضل للأغنياء، أو ربما من تظاهر بهم أو أحب أن يرى أماكنهم فليس كل من دخل إليه بالضرورة سيكون من أصحاب الأموال الطائلة، فأنت تستطيع أن تطلب كوبا من القهوة بعشرين ريالا و تجلس، رغم أنك بهذا المبلغ قد تشتري طعاما يكفي أسرة فقيرة لثلاثة أيام. إن ما يلفت النظر أن معظم رواد هذا المقهى من النساء رغم أنه مكان عام يدخله الرجال و النساء، و لكن حواء أبت إلا أن ترتاد المقاهي الجميلة لأنها تحب الجمال.
ليس من عادتي أن أكون قاسيا و ليس هذا ما أمرنا به الشرع المطهر، كما ليس من عادتي أن أتحدث عن الصغائر لأني أظن أننا يجب أن نغرس المبادئ، فانطلاقا من هنا شعرت أن من أهم الأشياء التي يجب أن نغرسها في نفوسنا و في نفوس أبناء الجيل تعظيم الله و الخوف من الله و إجلال الله و تذكر نعم الله. إني أعيش بهذه المبادئ منذ زمن و أرجو أن تعيشها كل بنت كانت أو لم تكن في ذلك المقهى الجميل، لقد تمتعت في حياتي و كنت سعيدا مبتهجا و الحمد لله، فخلال مسيرتي التي ما تزال قصيرة ما رأيت متعة أكبر من محبة الله، هذه المحبة لن يكتسبها بنات الجيل قبل أن يتقربوا إلى الله، فمن هذا التقرب المحافظة على الصلاة، و من هذا التقرب العزة بدين الله، و من هذا التقرب تذكر يوم القيامة، و من هذا التقرب الاقتداء بأمهات المؤمنين، و أيضا من هذا التقرب التفكر في حال الدنيا و ما أبعدتنا عنه بفتنتها عن أرواحنا الصافية المشتاقة إلى السماء.
إن ما أثار خواطري لأكتب هذا المقال ما رأيته من عدم اهتمام الكثيرات من رواد هذا المقهى الجميل بحجابهن، و أنا لا أتحدث هنا عن كشف الوجه فهذه مسألة خلافية يرى فيها كثير من العلماء الجواز، و لكني أتحدث عن أكثر من ذلك. لقد فكرت و قلت في نفسي أن الأهم هو قدر الله حق قدره، لأن الله أخبرنا بشيء من هذا القدر لكي نعرف جزءا منه و نفكر فيه فقال: و ما قدروا الله حق قدره و الأرض جميعا قبضته يوم القيامة و السماوات مطويات بيمينه سبحانه و تعالى عما يشركون. فلربما نزهت نهاية الآية الله سبحانه و تعالى عن الشركاء و لكن الخطاب في القرءان موجه بالدرجة الأولى للمسلم، الذي حري به من أول لحظة أن يفهم معاني القرءان و يتذكر أن هذا القرءان هو ما ميزه عن العالمين، ليس المظهر أو المال أو الجمال أو أي شيء من المعاني الفانية.
إني لا أريد أن أقول للبنت و المرأة المسلمة التي لم تهتم بحجابها ما يشعرها ببعدها عن الصراط المستقيم، فقد يكون في قلبها من الإيمان ما يجعلها رفيقة للنبي و ربما بخلقها أو برها بوالديها تدرك درجة عالية في الجنة، و لكني أدعو كل واحدة أن تكون عزيزة بدينها، سعيدة بأن الله ربها، بأنه فضلها و حجب مفاتنها لأنه أرادها أن تكون إنسانة محترمة لأجل عقلها و حنانها و عواطفها لا بما تعرضه على الناس من محاسن. أردت بما رأيته من واقع الحياة أن أذكر نفسي و أخواتي بنعم الله علينا الكثيرة التي من الأولى بنا و الألطف و الأجمل بحق من تفضل علينا أن نشكره و لا نعصيه، لا بمعصية كبيرة و لا صغيرة، حري بنا أن نتعامل بخضوع أكثر و استسلام أكبر.
دعوت لكل من كانت في ذلك المقهى و من لم تكن فيه بأن تجد الطريق الصحيح في التجرد لله بحياة كاملة، حياة طيبة مطمئنة تبدأ هنا و تنتهي هناك، حيث الرضى و الجمال و السعادة الأبدية...