تتفتح لنا صفحات الحياة أمام عدسة أعيننا، وتورق لنا بمعانيها ، وتزخر بقصصها العابرة ، وبعناوينها الأسطورية،،،
ولكن يبقى السؤال لا محال أين نحن من هذه العناوين ؟؟ ،ماهو الفارق الذي يمكن أن نحدثه لعلنا نتخطى نيرانا تلتهم همس أنفاسنا، متى سنتحرر من طبيعة الإنسان ونقتحم بصمت بصمتنا أنفاس الأنام، محدثة أثرا قد ذابت عرى الرياء والإنكشاف بين مسلماته.
يقولون إن مبدأ كل علم نظري وعمل اختياري هو الخواطر والأفكار ، فإنها توجب على التصورات ، والتصورات تدعو إلى الإرادات ، والإرادات تقتضي وقوع الفعل، وكثرة تكراره تقتضي العادة ، فصلاح هذه المراتب بصلاح الخواطر والأفكار وفسادها بفسادها.
فلنكلل أعمالنا بنية صالحة، يحدوها العمل والهمة العالية، يدعمها علم ذو مقاصد واضحة ذات معالم بارزة، فلا يجتمع الإخلاص في القلب ، ومحبة المدح والثناء فيما عند الناس إلا كما يجتمع الزيت والنار ، فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولا فاذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة ، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الأخلاص.
فالنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا بأعلاها وأفضلها وأحمدها عاقبة ، والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات وتقع عليها كما يقع الذباب على الأقذار ، لذا كل أحد على حسب قدره وهمته وشرف نفسه ، فأشرف الناس نفسا وأعلاهم همة وأرفعهم قدرا، من لذته في معرفة الله والشوق إلى لقائه والعكوف على أبوابه.
فمهما وعرت طريق المشتاقين واستخشنها المترفين ، لكنها لانت للهمامين والمسارعين والراكضين بخطى وئيدة إلى نبل الغايات ، وأشرف المنايا تاركين خلفهم قبور أناس نسوا حتى كيف يكتبون نعيا لأنفسهم كانوا أصلا زائدين على الدنيا ، لا يلتفتون إليهم خشية أن يعثروهم لما يصبون الوصول إليه ،،،
تقهرهم رياح الدنيا فينحنون بكل احترام لها لكنهم لا ينقادون أبدا، شعارهم " الله غايتنا" ، يضعون الجنة نصب أعينهم أسمعهم منادي الأيمان النداء، فاستبقوا إليه ، واستيقنت أنفسهم ما وعدهم به ربهم فزهدوا فيما سواه ، علموا أن الدنيا دار ممر لا مقر، ومنزل عبور لا مقعد حبور ، وأنها خيال طيف أو سحابة صيف، وأقبلت الآخرة إلى قلوبهم مسرعة ، كما أسرعت إلى الخلق مقبلة ، فامتطوا ظهور العزائم وهجروا لذة المنام ، وما ليل المحب بنائم ، علموا طول الطريق وقلة المقام في منزل التزود ، فقطعوا المراحل وطووا المفاوز.
وسؤالنا هنا؟؟؟ ماذا صنعنا لنحيا من أجل دعوة وراية في زمن عز فيها النصير والمعين .. فما خلقنا لنذبل من وعورة الطريق بل إنما لنبذل أنفاسنا وأرواحنا من أجل مولانا ودعوتنا ... فالدعوة أخي منصورة معك أو سواك فلتستعمل نفسك قبل أن يستبدلك الله
فلا بد أن نحمي جمار هممنا بالنية الصالحة ، والعمل والتخطيط والتدبير ، فنحن مسافرون في طريق الدعوة ، كل يوم لا بد من أن تكبر أحلامنا وترتقي أفكارنا ولكن لا ننسى أنه ما زالت أقدامنا راسخة في جذوة أرضها وواقعها.
أخي تذكر !! إن لم تساعد نفسك لن تنفعك مساعدة أحد ، ولتؤمن أن بداخلك عملاق يجب أن يستيقظ ، ماذا يفعل بداخلك !! قم أيقظه وأزجره بعصا الهمة والإرادة، يكفيك ويكفيه الغوط في سبات أهلك الأمة ، وضيّع الهمة ، وأبعدك عن ذمة عاهدت بها رب الأمة.
فلترين الله ما تصنع ، ولتوقظن من الآن جوارحك وأنفاسك ، ولتغمضن عيون قلبك عن الإلتفات إلى ما سوى الله فلا تعيش على أنغام المترخصين الكسالى ، ولا تطريك غوغاء المتهورين العجالى ، وعليك أن ترنو ببصيرة دوما إلى الأمام مشتاقا إلى نهاية الرحلة ، حتى تصل قرير العين مطمئن القلب تاركا خلفك السكون شاهدين لك ببصمتك في هذا الكون.