فضيلة العلامة الفقيه محمد بن صالح العثيمين : الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق ، ونصره على أعدائه ، وهزمهم شر هزيمة ، فالحمد لله رب العالمين ، وصلوات الله وسلامه على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد :
أيها الناس : فكم من إنسان يتمني أن يبلغ شهر رمضان ولم يبلغه !؟ كم من إنسان كان مؤملاً أن يصوم رمضان فلم يصمه !؟ كم من إنسان في قبره مرتهنًا بعمله لا يستطيع أن يزيد حسنة واحدة في حسناته ولا أن ينقص سيئة واحدة من سيئاته !؟ وأنتم قد من الله عليكم بإدراك هذا الشهر الفاضل ، فاغتنموه بالأعمال الصالحة المقربة إلى الله ، اغتنموه بحسن النية
والإخلاص لله - عز وجل - والمتابعة لرسوله - صلى الله عليه وسلم - .
أيها المسلمون : إن كثيرًا من الناس يفرطون في هذا الشهر ، يقضون لياليه بالسهر في أمور فارغة ليس لهم فيها فائدة ، بل ربما يكون عليهم فيها مضرة ، يتسكعون في الأسواق ينتظرون وقت السحور حتى إذا جاء وقت السحور جاؤوا فأكلوا ، وربما ناموا عن صلاة الفجر ، أما في النهار فأكثر نهارهم نوم لا يستفيدون منه وهذا - والله - هو الحرمان ، إن هذا الزمن بل إن هذا الموسم العظيم لغنيمة يغتنمها الإنسان ؛ ليتقرب إلى الله - عز وجل - ، وإن الموفق يمكنه أن يجعل من العادات عبادات ، وإن الغافل يجعل العبادات عادات ، الموفق يمكنه أن يجعل من العادات عبادات ، وإنني أضرب لكم مثلاً تسيرون على منواله :
فهذا السحور الذي يأكله الإنسان في آخر الليل أكثر الناس يأكلونه تشهيًا ولا يدركون ما فيه من الأجر ، ولكنهم لو تأملوا لوجدوا فيه خيرًا كثيرًا ، ففي هذا السحور من الخيرات :
• أولاً : أنه امتثال لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال : ( تسحروا فإن في السحور بركة ) .
• ثانيًا : أنه اتباع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإن من هديه - صلى الله عليه وسلم - : ( أنه كان يتسحر ويؤخر السحور ) ، وقد قال الله - عز وجل - : ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا ﴾ . [ الأحزاب : 21 ] .
• ثالثًا : ( أنه فصل ما بين صيام المسلمين وصيام أهل الكتاب من اليهود والنصارى ) ؛ لأن اليهود والنصارى يتسحرون في منتصف الليل ؛ لأن نهارهم يدخل في منتصف الليل ، أما المسلمون فإنهم يتسحرون في آخر الليل ؛ لأن صيامهم يبتدئ من دخول النهار ، فهو أوفق لرضى الله - عز وجل - ، وأشد مطابقة للواقع ؛ لأن الصوم إنما يكون في النهار فقط ولا يكون النهار إلا بعد طلوع الفجر ، ومن المعلوم أن الفصل بيننا وبين الكفار أمر مطلوب ، ينبغي للمسلمين أن يتميزوا عن الكفار ولاسيما في العبادات ومقاصدها ؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) .
• رابعًا : أن في هذا السحور تمتع بنعم الله - عز وجل - ، والتمتع بنعم الله - عز وجل - محبوب إلى الله : فإن الله تعالى ( يحب من عباده أن يرى أثر نعمته عليهم ) ، وأثر نعمة الله علينا بهذا الأكل أن نتمتع به .
• خامسًا : أن فيه استعانة على الصيام الذي هو أحد أركان الإسلام ، وما كان معينًا على الطاعة فهو طاعة .
فهذه خمسة أمور في السحور أكثر الناس يغفل عنهاؤ، ولا يرفع بها رأسًا ، ولا يشعر بها ، وإنما يأكل السحور تشهيًا فقط ؛ ولذلك أرجو منكم وأوصيكم ونفسي بأن نكون على يقظة وذكر ، وأن نستمتع بما أنعم الله به علينا ، وأن نقصد هذه الخيرات الكثيرة فيما فيه الخيرات .
أيها المسلمون : إن الإنسان ( إذا توضأ في بيته ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخطُ خطوة إلا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة ) ، فما أكثر الخطوات ، وما أكثر رفع الدرجات ، وما أكثر حط الخطايا ، ولكن ينبغي لنا أن نستحضر ذلك عند خروجنا من بيوتنا إلى المساجد ؛ حتى نحتسب الأجر على الله - عز وجل - .
إن الخيرات كثيرة في هذا الشهر وفي غيره ، فاغتنموها - بارك الله فيكم - ، لا تضيعوا أوقاتكم وأعماركم سبهللاً ، فإن النيات توصل الإنسان إلى أعلى الدرجات .