أطفال ليس كغيرهم من الأطفال، تعب ومعاناة، حصار وجوع وألم، مشاهد تلخصها حياة أطفال في فلسطين فقدوا معنى الطفولة في وقت أصبح فيه "الاحتلال " منتصرا بمن حوله. فلسطين للحياة طعم أخر والطفولة لا تعني اللهو والعب ومتعة الحياة بل العمل والقهر الحصار والانتفاضة أنهكتا الشعب الفلسطيني، فلأطفال الفلسطينيين يبحثون عن أي أموال قليلة تساعدهم في خدمة أسرهم التي اشتد عليها وقع الحاجة، وطبقا لدراسة فلسطينية حديثة حول عمالة الأطفال، فإن أكثر من 71% من الأطفال الملتحقين بسوق العمل حالياً يعملون بسبب الحاجة الاقتصادية (49.5% للمساعدة في مشروع للأسرة، و20.7% للمشاركة في رفع دخل الأسرة، و2.6% لأسباب اقتصادية أخرى) في حين بلغت نسبة الذين يعملون لأسباب اجتماعية 27.2% (14.5% منهم بسبب العطل المدرسية والتسرب، و6.5% للاستقلال والاعتماد على الذات، و6.2% لأسباب أخرى).
كما بينت النتائج أن ما يقارب ثلثي الأطفال العاملين في الأراضي الفلسطينية (67.4% تحديدا) يعملون لدى أسرهم بدون أجر (87.7% من بين الإناث العاملات و64.7% من بين الذكور العاملين)، مقابل 28.2% يعملون كمستخدمين بأجر لدى الغير (8.7% من بين الإناث العاملات و30.8% من بين الذكور العاملين).
من جانب آخر، أشارت النتائج إلى أن 98.0% من بين الأطفال 5-9 سنوات العاملين يعملون لدى أسرهم، وإلى أن 42.7% من الأطفال العاملين في الأراضي الفلسطينية يعملون كعمال مهرة في الزراعة بـواقع (49.3% في الضفة الغربية و21.1% في قطاع غزة)، و19.5% يعملون في المهن الأولية بواقع (18.9% في الضفة الغربية و21.5% في قطاع غزة).
أما العاملون في الخدمات والباعة في الأسواق، فقد بلغت نسبتهم 18.5% بواقع (16.1% في الضفة الغربية و26.3% في قطاع غزة)، في حين بلغت نسبة العاملين في الحرف وما إليها من مهن 16.6% بواقع (13.5% في الضفة الغربية و26.9% في قطاع غزة).
وبينت النتائج أن نسبة الأطفال الذين تركوا المدارس في الضفة الغربية بلغت 3.0%، بينما بلغت 2.3% في قطاع غزة، ويعود ترك المدرسة إلى عدة أسباب، من أهمها عدم الرغبة بالدراسة بنسبة 32.9% من مجموع الأطفال الذين تركوا المدرسة، ويليه سوء الوضع الاقتصادي للأسرة بنسبة 10.5%.
وحسب "جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني" فإن عدد الأطفال العاملين ـ سواء بأجر أو بدون أجر ـ يبلغ نحو 40300 طفل، أي ما نسبته 3.1% من إجمالي عدد الأطفال، منهم 30900 طفل في الضفة الغربية، و9400 طفل في قطاع غزة.
الاحتلال هو مصدر المعاناة الدائمة التي يعيشها أطفال فلسطين؛ فالأطفال من عمر 5- 17 عاماً يعانون من آثار نفسية سلبية، تتراوح ما بين 1.5% إلى 11.5 %، وتتمثل بالأساس في العصبية الزائدة والصراخ المستمر، وبلغت 11.5%، فيما تساوت المعاناة لكل من الخوف من الوحدة بشكل دائم والخوف من الظلام بشكل دائم، وبلغت 10.8% لكل منهما.
وأضاف تقرير إحصائي أن البيانات تؤكد ازدياد المعاناة النفسية عند هذه الفئة، والناجمة عن التفكير بالموت، وبلغت 4.3% وهذه النسبة تساوت مع نسبة الذين يعانون من نوبات البكاء بدون سبب.
وأشار التقرير إلى أن نسبة العنف الناجم من قبل جنود الاحتلال ضد هؤلاء الأطفال قد بلغت 4.6%، وأن الأهل والمدرسين والأصدقاء مارسوا العنف بنسب متفاوتة، وأوضح التقرير أن المعاناة النفسية لدى هؤلاء الأطفال أفرزت آثارًا سلبية على سلوك وممارسات هذه الفئة، وتمثلت في إشعال الحرائق، وضرب وشتم الآخرين، وممارسة التدخين.
وأضاف التقرير أن 68.8% من هؤلاء الأطفال قد تلقوا مساعدات نفسية وإرشادات، وأن 86.6% منهم قد تلقوا من أسرهم النصح والإرشاد عندما يخطئ الطفل، وأن 14.3% من الأهالي يلجأون إلى الشتم والتوبيخ عندما يخطئ الطفل، فيما 8.2% من الأسر تلجأ إلى الضرب.
أطفال يحملون مسؤوليات الإباء
محمد سليمان "12"سنة يقول تركت المدرسة والتحقت بورشة عمل في المدينة، الظروف الصعبة التي مررت بها كانت قاسية والدي مسجون وأنا الابن الأكبر ما يأتي ألينا من مستحقات من الجمعيات المهتمة بأهالي الأسرى لا تعول أسرتي البالغة 8 أفراد .
في حين يعمل سامر ريماوي 15 عاما عتالا في سوق الخضار التابع لبلدية نابلس طيلة اليوم، يقول والدي مقعد الفراش منذ ما يقارب الأربع سنوات جراء اصابتته بكسر في العمود الفقري بحادث سير، اعمل انا وأخي الأكبر مني سننا في العتالة نفرغ سيارات الخضار والفاكهة ونحمل غيرها نكسب ما يكفي إعالة أسرتنا.
ويضيف المؤسسات الخيرية شاكرة على جهودها التي تقدمها ولكنها ماذا عساها ان تقدم لاسرة كبيرة وتزداد متطلباتها يوما بعد يوم.
زهدي سليمان 13 عاما من مخيم جنين للاجئين شمال الضفة الغربية، يعمل ساعي في احدى مقاهي المدينة يقد القهوة والشاي لأصحاب المحلات التجارية في المدينة، يعيل سبعة افراد، يقول ذهبت لكي التحق في دورة شرطة في المدينة ولكن صغر سني لم يمكني من ذلك، كما ان والدي كان يعمل قبل انتفاضة الأقصى المبارك داخل فلسطين المحتلة عام 1948 ولكنه الآن يعمل على احد بسطات يبيع الخضار، ولكن الاجر لا يكاد يكفي نصف مستلزمات البيت فقررت ان اساعد في تربية اخواني.
الطفل ابراهيم الذي بلغ الرابعة عشرة من العمر في مطلع نيسان اضطر لترك مقاعد الدراسه قبل عامين "رغم انني كنت متفوقاً، والسبب ان والدي اصيب بجلطة بعدما طرد من عمله في حيفا حيث كان يعمل في مصنع اسرائيلي قام بفصل العمال الفلسطينين ونهب مستحقاتهم واتعابهم، وقد تألم كثيرا لانه لم يتمكن من ايجاد عمل في جنين حتى مرض واصبح طريح الفراش، ولأنني اكبر اشقائي لم يكن امامي سوى ترك مقاعد الدراسة ولإنخراط في سوق العمل".
ورغم صغر سنه، فان ابراهيم جاهز لممارسة كافة أنواع العمل، فهو تارة يعمل عتالاً في حسبة (سوق خضار) جنين، او بائعاً متجولاً في الاعياد والمناسبات، وتارة اخرى صاحب بسطة، ويقول: "الحياة صعبة وقاسية وعلينا ان نتحمل ونقاوم هذه الظروف.. احيانا اعمل 14 ساعة، فعائلتي تتكون من 8 انفار ولدي خمسة اخوة بينهم اربع بنات في المدرسة، وهمي الكبير ان اراهم يتفوقون وينجحون ويحققون حلمي الذي حكم علية بالإعدام. أضف لذلك اننا نعيش في بيت مستاجر ولا نملك أي مصدر رزق وابي بحاجه لعلاج ورعاية صحية".هذه الهموم جميعها تقع على كاهل ابراهيم الذي تخلى عن حلمه بمواصلة دراسته لكي يصبح طبيبا، ويقول: "اشعر بحزن شديد عندما اشاهد ابناء الحي الذي اعيش فيه او زملائي على مقعد الدراسة وهم يتوجهون لمدارسهم بينما اغادر منزلي قبل ان تشرق الشمس لابحث عن عمل جديد، فلا يوجد عمل منتظم في ظل الحصار الذي نتعرض له، ومع ذلك فانني لست بنادم ما دمت قادرا على رسم البسمة على شفاه اخوتي الذين ارى أحلامي تتحقق فيهم".
ويمكن ملاحظة الظاهرة بشكل واضح في أسواق جنين حيث ينتشر أطفال تتراوح أعمارهم بين 10-16 عاما في اماكن مختلفة ليمارسوا شتى الأعمال.. فالطفل مؤمن ينهض من نومه في الخامسة صباحا وينتظر وصول الصحف اليومية ليبيع اكبر قدر منها قبل ان يتوجه لمدرسته، ويقول: "عائلتنا كبيرة ووالدي الذي يبيع الخضار بالكاد يوفر ابسط مستلزماتنا، لذلك استغل الساعات التي تسبق الدوام لابيع الصحف واحصل على مصروفي ومصروف اشقائي الخمسة ولولا ذلك لما واصلت دراستي".
اما منير فانه ومنذ العام الدراسي الحالي لم يتمكن من الوصول لمدرسته في الموعد المحدد للدوام، ودوما كما يقول، "أصل متأخرا وأواجه اللوم والتوبيخ من المدرس الذي لا يستوعب ان وضع عائلتنا المأساوي يفرض علي العمل لعدة ساعات في حسبة جنين".
منير البالغ من العمر 15 عاما يصر على تحدي الظروف الصعبة ليحافظ على دراسته ولقمة عيش عائلته، ويضيف: "استغل فترة الصباح من الخامسة وحتى الثامنة صباحا للعمل في الحسبة، وبعد الظهر اعود لاعمل في محل تجاري حتى المساء، فهذا الامل الوحيد لأستمر في المدرسة لان والدي عاطل عن العمل ولا يحصل على أي مساعدات ولديه سبعة ابناء جميعهم في المدارس، ولا يوجد لنا أي مصدر دخل.. هكذا هي حياتي منذ عامين، وأكثر فأين هي الطفولة التي يتحدثون عنها؟ لقد فقدنا أعيادنا وأفراحنا وطفولتنا وفرض علينا الاحتلال ان نصبح رجالا نتحمل المسؤولية."
حلول
ويرى الدكتور ماهر أبو زنط أستاذ علم الاجتماع في جامعة النجاح الوطنية انه يجب أولاً علينا فهم محنة الأطفال الذين تم إقصاؤهم والأطفال المحجوبين عن الأنظار والعوامل التي تؤدي إلى تهميشهم، ومن ثَم تركيز المبادرات على هؤلاء الأطفال؛ ليغدوا هناك برنامجا استراتيجيا للحد من تلك الظاهرة.
وثانيًا، يجب على جميع عناصر المجتمع أن تعيد التزامها بمسئولياتها تجاه الأطفال واسر المعتقلين، بما في ذلك إيجاد بيئة حماية قوية.
ويضيف التصدي بصورة مباشرة للأسباب الجذرية، ذلك أن المبادرات الممولة جيدًا والموجهة بدقة للأطفال والأسر الأقل حظًّا مهددة بالفشل ما لم تتم مواجهة الظروف التي تعزز وجود الفقر.