[center]
لثورة الجزائرية من أشهر حركات الكفاح المسلح والتحرر في القرن العشرين، يسميها الجزائريون «ثورة المليون شهيد» التي أنهت 132 عاما من الاستعمار الفرنسي الذي عمل على «فرنسة» الجزائر على كل الصعد.
فبعد صراع مرير بدأت القوات الفرنسية بمغادرة الجزائر في 5 يوليو 1962 أي في نفس يوم دخولها وهو 5 يوليو 1830، وصادف أيضا ان الانسحاب تم من نفس المكان الذي دخلت منه الى الجزائر في منطقة «سيدي فرج» وتزامن تعيين أحمد بن بلا أول رئيس لجمهورية الجزائر بعد إطلاق سراحه مع عدد من قياديي الثورة التي حظيت بتعاطف عربي وعالمي، وبدعم كبير من الخارج خاصة من الجزائريين المقيمين في فرنسا والذين وفروا تمويلا مهما لمواطنيهم.
وقد تسبب الدعم الخارجي للقضية الجزائرية بمشاكل لدول عدة مع فرنسا أبرزها مصر بقيادة جمال عبدالناصر والتي شاركت فرنسا في العدوان الثلاثي عليها نتيجة لدعمها لثورة الجزائر.
رغم ان النضال الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي لم يتوقف يوما طيلة 132 عاما إلا أن الثورة التي يصطلح على تسميتها بـ «الثورة الجزائرية الكبرى» اندلعت رسميا ليلة الأحد – الاثنين في الأول من نوفمبر 1954، ففي ذلك اليوم انطلقت رصاصتها الأولى وقام الثوار باستهداف مواقع للجيش الفرنسي في مختلف أنحاء البلاد في وقت واحد بينما كان أغلب الجنود الفرنسيين يحتفلون بـ «عيد جميع القديسين» المصادف في اليوم نفسه.
ومع انطلاق الثورة وجه الثوار بيانا أكدوا فيه ان الهدف من الثورة تحقيق الاستقلال وإقامة الدولة الجزائرية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية وأعلنوا رسميا عن جبهة التحرير الوطني المشكلة لخوض غمار الثورة وذراعها العسكرية المتمثلة بـ «جيش التحرير الوطني».
كما أعلن الثوار انهم سيكافحون بكل الوسائل لتحقيق أهدافهم وطلبوا من العالم مناصرة قضيتهم وشددوا على ضرورة الاعتراف بالجنسية الجزائرية على ان يترك للفرنسيين في البلاد بعد الاستقلال والانفصال عن فرنسا حرية الاختيار بين جنسيتهم الأصلية أو الجنسية الجزائرية، وان تقوم علاقات متكافئة بين البلدين على أساس المساواة والاحترام المتبادل.
قبل الخوض في المراحل المختلفة للثورة لابد من الإشارة الى ان الجزائريين تأثروا جدا بالانتصار الڤيتنامي على الفرنسيين في الحرب الأولى بشبه جزيرة الهند – الصينية وخاصة في معركة ديان بيان فو 1954، وكان الجيش الفرنسي قد استخدم آلاف الجزائريين في تلك الحرب فعايشوا الجهود الجبارة التي بذلها الڤيتناميون ليحرروا بلدهم وتأثروا بهم الى حد كبير.
مرت الثورة بمراحل عدة، الأولى بين 1954 و1956 وكانت مرحلة تأسيس ونشر لأفكار الثورة التي بلغت أوج قوتها في سنة 1956 عندما تمكنت من اخضاع ثلثي الأراضي الجزائرية لسلطتها.
وفي تلك السنة وبظل الحاجة الى مزيد من التنظيم والتأطير للكوادر خاصة على مستوى التعبئة الشعبية دخلت الثورة مرحلة جديدة حيث أنشأ الثوار مجلسا وطنيا للثورة ليرسم سياساتها وخطواتها ويمثلها في العالم وتم حصر قرار إطلاق النار أو الهدنة به، بالاضافة الى لجنة للتنسيق والتنفيذ تولت توجيه جميع فروع الثورة العسكرية والسياسية والديبلوماسية.
شهدت هذه المرحلة ارتفاعا في حدة الهجوم الفرنسي على الثوار وبالمقابل نشطت عمليات استهداف الفرنسيين في المدن على نطاق واسع.
تجدر الإشارة الى انه منذ 1955 أعلنت فرنسا حالة الطوارئ في الجزائر لمدة 6 أشهر وكانت تقوم بتجديدها دوريا ونشأت بموجبها محاكم عسكرية قامت بتجاوزات كثيرة وسببت الكثير من الأرق للنظام الفرنسي الذي تمسك بأسلوب القمع والاستعلاء حتى آخر لحظة ولم يبق أسلوب قمعي إلا واستخدمته فرنسا ضد الجزائريين الذين تحولوا الى أكثر العوامل تأثيرا في السياسة الداخلية في فرنسا، وقد كانت الحرب هي السبب في تدخل الجيش بالسياسة وعودة الجنرال ديغول الى الرئاسة خلفا للرئيس رينيه كوتي في أول عهود الجمهورية الخامسة (انتقال فرنسا من الجمهورية الرابعة بموجب تعديل دستوري نقل البلاد من نظام برلماني الى نظام رئاسي) في ديسمبر عام 1958 بعد قيامه بزيارة للجزائر تحدث فيها عن «الشخصية الجزائرية» وأغضب ذلك المستوطنين الفرنسيين في الجزائر، ورغم ذلك جاء ديغول بشعبية كبيرة لكنه لم يغير الكثير في مسار الثورة التي واصلت خطها التصاعدي رغم زج فرنسا بأكثر من نصف مليون محارب في الجزائر وحدها.
يمكن القول ان الفترة من 1958 – 1960 كانت الأصعب في مراحل الثورة بما شهدته من مواجهات ضارية وعنيفة وحملات دامية للفرنسيين ضد المواطنين.
ويذكر انه في مؤتمر طنجة أبريل 1958 وبالاتفاق مع حكومتي تونس والمغرب كان قد تقرر تأسيس حكومة مؤقتة للجمهورية الجزائرية وقد بدأت هذه الحكومة عملها رسميا في 19 سبتمبر 1958 برئاسة فرحات عباس ثم يوسف بن خدة في 1961.
وفي 10 ديسمبر 1960 قام ديغول بزيارة الى الجزائر استنتج خلالها انه ما من حل للأزمة سوى التفاوض مع جبهة التحرير وعندما عاد واجه في أبريل 1961 محاولة انقلاب من قادة الجيش لكنه أفشلها وزاد التأييد الشعبي الفرنسي للانسحاب من المستنقع الجزائري مهما كانت الكلفة.
وحاول الفرنسيون بين 1960 و1962 إقناع الثوار الجزائريين بحلول ومقترحات تحفظ لهم امتيازات في الجزائر تبقي على نفوذهم فيها مقابل الاعتراف باستقلالها، لكن تلك المقترحات قوبلت بالرفض الى ان عقدت اتفاقية ايڤيان من 7 – 18 مارس 1962 والتي انتهت باتفاق لوقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في اليوم التالي على ان يجري استفتاء حول تقرير المصير بالنسبة للشعب الجزائري الذي صوت بشكل كاسح لصالح الاستقلال في 1 يوليو 1962، وبعد ذلك بأربعة أيام بدأ الفرنسيون انسحابهم مخلفين للجزائر الكثير من المشاكل آثار بعضها لاتزال ممتدة الى اليوم.
وقد انضمت الجزائر الى الأمم المتحدة في 8 أغسطس 1962 بعدما كانت قد قبلت كعضو بالجامعة العربية في 27 يونيو.
المروحة سبب احتلال الجزائر
الزائر للمتحف الوطني للمجاهد في الجزائر أول ما يلفته تلك اللوحة البارزة التي يظهر فيها الوالي داي حسين حاملا المروحة تعريفا للسياح بالحادثة الأشهر التي أدت الى احتلال الجزائر.
فتاريخيا كانت فرنسا تشتري القمح من الجزائر وبمرور الزمن تراكمت عليها الديون وفي عام 1827 استدعى الداي حسين باشا قنصل فرنسا وسأله عن عدم رد ملك فرنسا على رسالته بخصوص سداد الدين فأجابه القنصل بأن ملك فرنسا يحب مخاطبته بالطرق البروتوكولية المتبعة لمن هو في منزلته ولا يرد على من هو في منزلة دون ذلك.
غضب الداي ورمى القنصل بمروحة صغيرة كانت بيده فنشأت اثر ذلك أزمة مع فرنسا لم تنجح الاتصالات السياسية في نزع فتيلها إذ قرر الملك الفرنسي شارل العاشر ارسال اسطول بحري مبررا عملية الغزو بالثأر لشرف فرنسا والانتقام من الداي حسين.
[/center]