انتحارات وحالات طلاق وفك رابطة الخطوبة إلى جانب شكوى رسمية ومعارك ضارية في الوسط العائلي، وكل ذلك بسبب الهاتف النقال عند النساء وما يثار بشأنه من شكوك في المحيط العائلي المتشدد بالتقاليد المحافظة.
تعددت الدراسات الاجتماعية والثقافية والعلمية وانساقت من ورائها وسائل الإعلام حول التطور السريع الحاصل في مجال تكنولوجيات وسائل الاتصال وفي مقدمتها الهاتف النقال وتحسينات أحدث تقنياته في تنوع الخدمات السريعة الآنية، لكن مقابل ذلك هناك وجه آخر يعكس سلبيات استغلال هذه التكنولوجيا الاتصالية في ظل ضعف ثقافة مجتمع بطيء الخطى في مسايرة هذا التطور المذهل وسط محيط إيديولوجي يعج بتقاليد محافظة ترهن قابلية ثقافة التعامل والتعاطي مع هذه التكنولوجيا خاصة إذا تعلق الأمر مع الهاتف النقال الذي أصبح جهازا لا يستغنى عنه جيب الرجل وحقيبة يد المرأة.
وبحكم أن الهاتف النقال كجهاز متصل بخط نداء رقمي يعتبر ملكية شخصية وتحفظ ذاكرته معلومات وأسرار شخصيه لمالكه كما هو الشأن في استعماله واستغلاله الشخصي في إرسال المكالمات وتلقيها عكس ما إعتادت عليه ذهنية الملكية الجماعية خاصة في الوسط العائلي. ومن هذا المفهوم الذي لا يتقبله الكثير تتولد حساسية وشكوك وتخمينات تؤدي إلى عواقب وخيمة تعود بأكثـر الضرر على فئة النساء بمختلف الأعمار والمستويات.
وبحكم سرية التحقيقات الأمنية في القضايا الحساسة كثيرا ما تبقى أسباب الانتحارات غامضة حتى وإن تمكنت التحقيقات الأمنية في الكشف عن أسرارها فإنها تحفظ تفاديــا لتجريح أهل الضحية وفي هذا السياق فان التصنيف تحت عناوين عمومية دون تفاصيل لحالات الانتحار ومحاولات أخرى فاشلة أو تم إنقاذها.
وعلى سبيل المثال فقد أظهرت إحصائيات أمنية وجود انتحارات من الفتيات دون سن 30 سنة ومحاولات فاشلة أومنقذة من الهلاك المؤكد من نفس الفئة والأعمار وجميع هذه الحالات لها علاقة بضغوطات عائلية متشددة في التقليد ورافضة شكلا ومضمونا ثقافة التواصل بالهاتف النقال خاصة مع جنس الأخر مهما كانت الزمالة أو الصداقة أو المصلحة ولا بديل لهذه العائلات المحافظة لرؤية جهاز الهاتف النقال بيد الفتاة إلا بالمنظار الأسود.
وعلى مستوى المحاكم وأمام كثـرة ملفات الطلاق تظهر العشرات من الحالات في وقائع نزاعاتها بين الشريكين أرقام هاتفية مشكوك في مصدرها، ومن هذه العينات قضية ''فتيحة 28 سنة'' أم لطفلة 7 أشهر تتواصل من حين لأاخر مع رئيس مصلحتها الادارية بشأن سير شؤون إدارية في حالة غيابها المتكرر واعتنائها بطفلتها لكن زوجها لم يقبل هذا التواصل ومبرراته وهي تصر عليه طالما تريد المحافظة على منصبها الوظيفي وتمر بمرحلة من الغيابات فأرسى الخلاف بينهما إلى أروقة المحكمة، وعكس ذلك هي حالة ''أمينة 24 سنة'' حديثة الزواج لم تحتمل رنين هاتف زوجها الذي لا يتوقف خاصة تلك المكالمات المخفية الأرقام فأبت إلا الإصرار على طلب التطليق بعد 3 أشهر من الزواج ولم تشفع محاولات الصلح الودية من الوسط العائلي لتؤول القضية إلى العدالة بعدما تأزمت المشكلة.
نار الغيرة التي يشعل فتيلها الهاتف النقال تسببت أيضا في فسخ الخطوبة في الكثير من الحالات حسب ما ترويه مجالس النسوة ولكل خطيبة فقدت خطيبها لها حكاية مع الهاتف النقال ومن ذلك الشابة ''وهيبة 19 سنة'' قام خطيبها بمحو ذاكرة كل الأرقام من جهازها الهاتفي واشترط عليها مقاطعة كل معارفها السابقين مهما كانت صفة العلاقة بها فرفضت هذا الشرط الذي كان سبب فسخ الخطوبة.
أما الطالبة الجامعية ''راضية 23 سنة'' فقد تلقت هدية من خطيبها في شكل شريحة ''جيزي'' مع اشتراك دائم مع التزامه بتسديد فاتورة استهلاك الوحدات شهريا وبمجرد أن قامت بتسجيل الذاكرة بالشريحة الجديدة وفي كل لقاء يجمعهما يتولى خطيبها الرد على مكالماتها فينتقى استقبال مكالمات الأصوات النسوية بحفاوة واستعمال الخشونة إذا كانت المكالمة من صوت ذكري وهو السلوك الذي لم ترضاه راضية ورضت بالفراق المبكر.
ولنفس الأسباب تتعرض المرأة وخاصة الفتيات في محيط عائلي أكثـريته من الذكور أو الوالدين المتشددين لشتى أساليب العنف اللفظي والجسدي غالبا ما تؤول الى شجار عنيف بمجرد اكتشاف البنت وهي تخلو وتنزوي في إحدى غرف أو زوايا البيت بهاتفها النقال في الحديث مع أي كان حتى وإن كان المتحدث من جنسها فان الشكوك تبقى مسيطرة على وسطها العائلي المتشدد، وأصبحت أسباب هذه الحوادث التي يرسى بضحاياها جسديا في المصالح الاستعجالية الطبية من المترددين العادين لتلقي الإسعافات الطبية خاصة الأمهات اللواتي يتعرضن للصدمة والإغماء من وطئة العنف الذي تغلغل الى وسطها العائلي بسبب الهاتف النقال أو الفتاة ضحية الشكوك التي تتعرض الى أضرار جسدية في حالات كثيرة منها تكون ذات خطورة، ولتفادي مثل هذه المشاكل والمضايقات في الوسط العائلي أفصحت الكثير من الفتيات على غلق هواتفهن النقالة بمجر دخول البيت وقبل ذلك تقمن بالاعتماد على نظام تحويل المكالمات الى رقم إحدى صديقاتهن اللواتي ليس لهن مثل هذه المشاكل والضغوط للرد عليها بالنيابة في حالة الضرورة، ولأن الهاتف النقال مصدر الاعتداءات التي تحترفها عصابات الخط من اليد والسرقة فإن المرأة في مثل هذه الحالات تعتبر الفريسة السهلة وضعيفة المقاومة والمتأثـرة بالصدمة فان الشكاوي النسوية بهذا الشأن بلغت أرقاما مذهلة لدى السلطات الأمنية من بينها حالات اعتداء بالسلاح الأبيض وسلب هواتفهن تحت طائلة التهديد تعرضت 5 ضحايا الى الضرب والوخز بالموس أو السكين بعد ترصد الضحايا في أماكن معزولة عن الحركة، وعلى وقع هذه الاعتداءات تحول اهتمام المرأة العاملة والموظفة والطالبة الى الجهاز الهاتفي العادي والاستغناء عن الجهاز المتعدد الخدمات للتقنيات الحديثة والشاشة الملونة وهي التي تغري المعتدين.
واستنتجت الحصيلة في هذا المزيج من المعلومات والأرقام بأن تطور تكنولوجيا الاتصال رغم فوائدها بالنسبة للهاتف النقال تبقى مصدر عداء في ظل ذهنية التقاليد المنافية للحريات الفردية وخاصة في الوسط النسوي المحاط بتشدد التقاليد بما يتطلب تكييف استغلال هذه أدوات هذه الثورة العلمية وفق أساليب وسلوكات تراعي تفادي أي اصطدام ناتج عن انفعالات الذهنية الجزائرية المتميزة في غالب الأحيان بقراءة الحرية الفردية للمرأة بالخط الأسود حتى وإن كان اللون أبيضا ناصعا فهو '' معزة ولو كان طارت '' على حد التعبير الشعبي السائد.
_________________