بســــــــم الله الرحــــــــمن الرحـــــــــيم
الســـــــلام علـــــــيكم ورحـــــــــــمة الله
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه .
أما بعد، قال أبو العون محمد بن أحمد السفاريني ( ت 1188 هـ ) في " نتائج الأفكار في شرح حديث سيد الاستغفار " ( ص 341 / ط . الصميعي ) : إذا أراد الله سبحانه بعبده خيراً فتح له من باب التوبة والاستغفار، والندم والانكسار، والذل والافتقار، ودوام التضرع والابتهال، والدعاء والاحتفال، ما تكون تلك السيئة سبب رحمته، حتى يقول عدو الله : يا ليتني تركته ولم أوقعه فيها .
وهذا معنى قول بعض السلف : ( إن العبد ليعمل الذنب يدخل به الجنة، ويعمل الحسنة يدخل بها النار )، قالوا : كيف ؟ قال : يعمل الذنب؛ فلا يزال نَصْبَ عينيه، خائفاً منه، مُشفقاً وجلاً باكياً نادماً، مُسْتحياً من ربّه، ناكس الرأس بين يديه، منكسر القلب، فيكون ذلك الذنب أنفع له من طاعات كثيرة؛ لِمَا ترتّب عليه من هذه الأمور التي بها سعادةُ العبدِ وفلاحُه، حتى يكون ذلك الذنب سبب دخوله الجنة .
ويفعل الحسنة، فلا يزال يَمُنُّ بها على ربّه، ويتكبّر عليها، ويرى نفسه، ويعجب بها، ويستطيل بها، ويقول : فعلتُ وفعلتُ، فيورثُه من العجب والكبر والفخر والاستطالة ما يكون سبب هلاكه، فإذا أراد الله بهذا المسكين خيراً ابتلاه بأمر يكسره به، ويذُلُّ به عُنُقَهُ، ويُصَغِّرُ به نَفْسَه عنده، ومن أراد به غير ذلك، خلاّه وعُجْبَهُ وكِبْرَهُ، وهذا هو الخُذْلان المُوجِبُ لهلاكه، فإن العارفين كلهم مجمعون على أن التوفيق أن لا يَكِلَك الله إلى نفسك؛ فمن أراد الله به خيراً فتح له باب الذُّلِّ والانكِسار ودوام اللجإ إلى الله، والافتقار والاعتراف بالذنوب والأوزار، ورؤية عيوب نفسه وكثرة الاستغفار، ومشاهدة فضل ربّه وإحسانه وبِرِّه وجوده وامتنانه منقول.