[ color=blue] من توفيق الله تعالى لعبده أن يبصره بعيب نفسه ، وأن يدرك تقصيره وتفريطه في جنب ربه ، والأهم من ذلك أن تكون هذه محطة انطلاق له لاستدراك ما فاته ، واستكمال ما نقص من دينه ، قال الله تعالى : ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) هود/114-115 .
والواقع أن الذي ينبغي عليك الانتباه إليه ، قبل بيان صفة صلاة الليل ، أمران :
الأمر الأول : أن العبادة الفاضلة هي ما استمر العبد عليها مع ربه ، ولم ينقطع عنها بعد أن شرع فيها ، وأخذ منها حظا .
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : ( سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ قَالَ أَدْوَمُهَا ، وَإِنْ قَلَّ . وَقَالَ : اكْلَفُوا مِنْ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ ) . رواه البخاري (6465) .
وعَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ : سَأَلْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ ، قُلْتُ : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ، كَيْفَ كَانَ عَمَلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنْ الْأَيَّامِ ؟
قَالَتْ : لَا ؛ كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً ، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَطِيعُ ؟!
رواه البخاري (1987) ومسلم (783) .
فتبين بذلك أن المشروع للعبد أن يحافظ على الطاعة التي شرع فيها ، وأن يرفق بنفسه ، فلا يعزم أو يلزم نفسه إلا بطاعة ، يغلب على ظنه الوفاء بها ، وليس معنى ذلك أنه إذا صلى في الليل ركعتين ـ مثلا ـ ألا يزيد على ذلك ، بل المراد أنه لا يوظف على نفسه ، ولا يدخل بنية الالتزام إلا في القدر الذي يغلب على ظنه الوفاء به مع الله ، ثم إن وجد نشاطا وخفة في بعض الأوقات ، زاد ما شاء الله له من ذلك .
ثانيا :
بين النبي صلى الله عليه وسلم أن المشروع في صلاة الليل أن تكون صلاته مثنى مثنى ، أي : ركعتين ركعتين ، ثم يختم صلاته بركعة ، يوتر بها الصلاة .
وأما هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل ، فقد وصفته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، فقالت : ( مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي ) رواه البخاري (1147) ومسلم (738) .
وليس شرطا أن يبلغ العبد في صلاة الليل هذا العدد : إحدى عشرة ركعة ، فلا ينقص عنها ، ولا يزيد ؛ بل إن شاء زاد ، وإن شاء نقص عن ذلك ، حسبما يطيق ويتيسر له .
وله أن يصلي ما شاء من هذه الصلاة ، من بعد صلاة العشاء ، إلى صلاة الفجر ، وأفضل وقتها آخر الليل ، فهو وقت النزول الإلهي ، ووقت تفتح فيه أبواب السماء :
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ ، فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ ) رواه مسلم (755) .
فمن وجد همة أعلى في تقسيم ليله ، بين راحته وعبادته ، فله أن يقوم قيام نبي الله داود عليه السلام :
عن عبد اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ : كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا . وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ : كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ ) رواه البخاري (3420) ومسلم (1159) .
وننصح بالاستفادة من كتاب "رهبان الليل" للدكتور سيد حسين العفاني ، حفظه الله .
والله أعلم [/color]