مقاصد الصيام الكبرى
إن الصوم الذي نتعبد الله به في هذا الشهر (شهر رمضان ) لا معنى له ولا فائدة إن لم ندرك ثمرة صومنا وأثر جوعنا وعطشنا مما لذا وطاب .
قال تعالى :﴿ يأأيها الذين ءآمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ﴾ .الآية 183من سورة البقرة.
وقال الرسول عليه الصلاة والسلام :«من صام رمضان أيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ».
والناس أمام فريضة الصيام فريقان: فريق ينظر إلى الصيام على أنه سلوك وراثي وتقاليد وعادات اكتسبها من آبائه وأجداده ،فهذا النوع من الصيام يسمى الصوم الوراثي. أما الفريق الثاني فينظر إلى الصيام على أنه عبادة وطاعة وخضوع وانقياد وسمو نفسي إلى الكمال الإنساني ، ومحطة للتزويد ومدرسة للتهذيب ومنبع للفضائل فهذا النوع من الصوم يسمى الصوم الشرعي أو الصوم الذاتي
وإنه لمن المؤسف أن نجد الأكثرية من الناس هم من النوع الأول ، والأقلية من النوع الثاني .
فهل كل من حرم نفسه من شهوة الأكل والشرب طيلة نهار شهر رمضان هو صائم ؟.
وهل أدرك بصومه هذا ثمار الصيام الحقيقي ؟.
إن عموم الناس يمتثلون إلى المعنى الحقيقي لمفهوم الصوم ، إلا أنهم لا يدركون حقيقته ومقاصده الساميــة
إن الصوم الحقيقي لا يتحقق إلا بتحقيق شروط ومنها :
o أولا: النية : لقوله عليه الصلاة والسلام:
« إنما الأعمال بالنيات.....» .
والنية محلها القلب وسبيلها أن يقصد الصائم بصومه هذا ابتغاء مرضات الله والتقرب إليه خوفا من عقابه وطمعا في جنته .
o ثانيا: أن لا يكون صومه عرفيا: وهو الصوم الذي لا يتجاوز حدود التقاليد والأعراف المتوارثة، ومن مظاهر الصوم العرفي :
1. أن يصوم الصائم فيجوع ويعطش في النهار، ليفسح المجال في الليل لتلبية شهواته مما لذا وطاب من الطعام والشراب الذي يصل إلى حد الإسراف والتبذير .
2. أن يتخذ من صومه وسيلة لاكتساب بعض العادات السيئة ، كتعاطي المخدرات وشدة الغضب لأتفه الأسباب ولعب القمار....الخ .
3. أن يحول نهاره إلى ليل فيقتله في النوم ، بينما يقضي الليل في السهر والنظر إلى الحرمات .
4. عدم تمالك نفسه حينما يكون صائما.
5. أن يقرن صومه بالمعاصي والآثام : كأن يصلي ولا يصوم، أو يصوم وينظر إلى المحرمات، ولا يتورع عن اللغو والنميمة وعدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...الخ.
o ثالثا:معرفة أحكام الصيام الفقهية من الشروط والآداب والواجبات والمبيحات والمحرمات ولا يعذر الجاهل بجهله لقوله تعالى: ﴿فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾.
وبهذه الشروط الثلاثة يتحقق الصوم الحقيقي المشروع للصائم.
وإذا كانت التقوى هي المقصد الأساسي من فريضة الصيام وهي مقصد كل العبادات فإن للصوم مقاصد فرعية أخرى منها :
• تمتين الصلة وتوطيد العلاقة بالله عز وجل أكثر، وتنمية الشعور بالرقابة الإلهية.
• الشعور بالجماعة الواحدة من خلال توحيد مظاهر وقت الإفطار والسحور والصلاة.
• تنمية مشاعر التضامن الاجتماعي عن طريق مواساة الفقراء والأيتام والمعوزين .
• تنمية الوازع الديني والأخلاقي كالتحلي بالأخلاق الإسلامية كالصبر على البلاء وشكر المنعم على ما أنعم والورع عن المحرمات وإتقان العمل .
وخلاصة القول إن الصوم الحقيقي الذي نتعبد الله به هو الذي يرقى بالمؤمن الصائم إلى درجات سمو الكمال الإنساني فيجعله فردا صالحا مؤمنا تقيا يخاف الله، فيكون المسلم بهذه العبادة ينبوع خير فيقبل على الفضائل في غير تهور ويحجم عن الرذائل في غير حين متساميا إلى معاني الحياة.
هكذا أيها الصائمون كونوا أو لا تكونوا .
رمضان كريم وصيام مقبول .