في الشكر
التقوى هي عتبة الوصول إلى الشكر، فمقام الشكر أرقى ولذلك قال تعالى: {واتّقوا الله لعلّكم تشكرون} لأن الشكر استنفاد للطاقات في الأحب إلى الله ولذلك قال عليه الصلاة والسلام "أفلا أكون عبداً شكوراً".
بيان فضيلة الشكر
اعلم أن الله تعالى قرن الشكر بالذكر في كتابه مع أنه قال {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] فقال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152] وقال تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} [النساء: 147] وقال تعالى: {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 145].
بيان حدّ الشكر وحقيقته
اعلم أن الشكر من جملة مقامات السالكين، وهو أيضاً ينتظم من علم وحال وعمل، فالعلم هو الأصل فيورث الحال والحال يورث العمل فأما العلم فهو معرفة النعمة من المنعم، والحال هو الفرح الحاصل بإنعامه، والفعل هو القيام بما هو مقصود المنعم ومحبوبه. ويتعلق ذلك العمل بالقلب وبالجوارح وباللسان ولا بد من بيان جميع ذلك ليحصل بمجموعة الإِحاطة بحقيقة الشكر فإن كل ما قيل في حد الشكر قاصر عن الإِحاطة بكمال معانيه.
(فالأصل الأوّل) العلم: وهو علم بثلاثة أمور، بعين النعمة، ووجه كونها نعمة في حقه، وبذات المنعم ووجود صفاته التي بها يتم الإِنعام ويصدر الإِنعام منه عليه.
(الأصل الثاني) الحال المعتمدة من أصل المعرفة: وهو الفرح بالمنعم مع هيئة الخضوع والتواضع، ولكن إنما يكون شكراً إذا كان حاوياً شرطه، وشرطه أن يكون فرحك بالمنعم لا بالنعمة ولا بالإِنعام.
(الأصل الثالث) العمل بموجب الفرح الحاصل من معرفة المنعم. وهذا العمل يتعلق بالقلب وباللسان وبالجوارح أما بالقلب فقصد الخير وإضماره لكافة الخلق. وأما باللسان فإظهار الشكر لله تعالى بالتحميدات الدالة عليه، وأما بالجوارح: فاستعمال نعم الله تعالى في طاعته والتوقي من الاستعانة بها على معصيته.