ماذا نفعل لتعديل السلوك العدواني للأطفال؟
ماذا تفعل الأسرة وماذا تفعل المدرسة معها إذا ما لاحظت ميل الطفل للسلوك العدواني؟
هل يلجأ المحيطون بالطفل إلى تَكرار الشكوى على مسمع من الطفل من أنه ذو ميول عدوانية؟
هل يكون الملاذ هو أن نقف بالمرصاد لأي سلوك عدواني يأتي به الطفل؛ لنقمعه، ونوقع به العقاب؟
هل يُشهَّر بالطفل بين الأقارب والأصدقاء على أنه طفل عدواني؟
من المؤكد أن سائر هذه الأساليب سوف تأتي على الأغلب بنتائج عكسية؛ فقد يتمادى الطفل في عدوانيته على الآخرين، باعتبار أن ذلك يجلب له شيئًا من الشهرة والذيوع، يعوض به عن إخفاق في جوانب أخرى من حياته، ومن المؤكد أيضًا أن هناك نهجًا علميًّا كشفت عنه التجارِب العملية والملاحظة والدراسات التي قام بها كثير من العلماء على مدى سنين طويلة خلت، وإن كان بعض تلك التجارب قد ركز على العدوان في مخلوقات أخرى غير الإنسان، بغرض الكشف عن العوامل المثيرة للسلوك العدواني، وعن السبل التي يمكن أن تؤدي إلى كف ووقف الاستجابات العدوانية التي كانت تستثار في تلك المخلوقات (من الحيوانات؛ كالفئران والقردة وغيرها)، وكذلك محاولة أولئك العلماء التعرف على الطرق التي يمكن بها إحداث تغيرات وقتية في الاستجابة للمثيرات المحرِّكة للسلوك العدواني، ولو كان من تلك الطرق استخدام العقاقير الطبية، وكذلك محاولة أولئك العلماء تعديل الحالة الأساسية للعدوان[1].
وقد تبلورت نتائج مثل تلك الأبحاث في إمكان تعديل السلوك العدواني للحيوان (أو الإنسان) بعدة سبل، منها:
* إحداث تغيير في العوامل البيئية المحيطة بالكائن الحي: Environmental Factors .
* إحداث تغيير في العوامل المتضمنة في المواقف التي تثير العدوان في الكائن الحي: Situational Factors.
* إحداث تغيير في الحالة الفزيولوجية للكائن الحي: Physiological Condition .
* إحداث تغيير في الحالة النفسية للكائن الحي: Psychological Condition .
وسنحاول فيما يلي بسط ما يمكن اتخاذه من إجراءات في هذه الجوانب بالنسبة لسلوك العدوان لدى الأطفال:
1 – إدخال التعديلات على الظروف البيئية المحيطة بالطفل:
وتشمل هذه الظروف أسلوب المعاملة المنزلية والمدرسية، فقد يكون هذا الأسلوب قائمًا على القسوة الزائدة على الطفل، أو إهمال حاجاته وعدم الاستجابة لمطالبه الأساسية، أو ترك الحرية الكاملة له في التصرف فيما يعرض له من مشكلات دون رقابة، أو نصح أو توجيه، أو الخضوع لتهديداته، والاستجابة لكل مطالبه؛ قلقًا على صحته، أو خوفًا من نفوره من البيت أو المدرسة، ولرُبَّما كان الفشل الأسري في إقامة علاقة سليمة بين الزوجين سببًا في افتقاد الطفل للنموذج السليم في العلاقات، فهو يرى الأب والأم في صراع دائم، وقد يصل الأمر بينهما إلى تبادل المشاعر العدوانية، أو العدوان الصريح أمام الطفل، وقد ينحاز الطفل إلى أحد الوالدين ضد الآخر؛ ومن ثم كان لا بد من إدخال التعديل المطلوب على تلك الظروف؛ بتوعية الأبوين بالمخاطر التي تترتب على الوضع الأسري القائم، وتبصيرهما بالمنهج السليم لتربية الطفل، ومتابعة التحسن الذي يجري على الوضع العام للعلاقات في البيت؛ وإلا نزع الطفل من الأسرة، وعهد به إلى مؤسسة خاصة برعاية الأطفال؛ لعدم أهلية الأبوين للتربية؛ حتى يتوفر له المناخ السليم للتنشئة الاجتماعية الصحيحة.
2 – إدخال تعديلات على العوامل المتضمنة في المواقف التي تتضمن المشكلات اليومية:
وعلى سبيل المثال هناك مواقف تتطلب توجيه الطفل لتصحيح سلوكياته، فبدلاً من أن تترك هذه المواقف لأحد الأبوين ممن تتَّسم استجاباته بالعنف والقسوة - يمكن أن يتم الاتفاق بين الأبوين على أن تترك المحاسبة في مثل تلك المواقف لأكثرهما هدوءًا وتسامحًا، وبدلاً من أن يوجه اللوم إلى الطفل على الملأ من الإخوة والأقارب - يمكن أن يتم ذلك في مكان خاص، لا يضم سوى الطفل ومن يتولى مسؤولية توجيهه، وبدلاً من أن يعطي المعلم نفسه الحق في توبيخ الطفل عند عدم قيامه بأداء الواجب - يمكن أن يعهد بتلك المشكلة إلى الأخصائي الاجتماعي في المدرسة، كذلك يمكن أن يتم الاتفاق بين أعضاء الأسرة على إسناد مسؤوليات توجيه الطفل إلى أحد الحكماء في الأسرة.
3 – محاولة ضبط المؤثرات البيئية التي قد يكون لها انعكاس على التغيرات الفيسيولوجية للطفل:
وذلك بتنظيم أوقات الطفل، والموازنة بين الساعات المخصصة للنوم والتريض، وإجراء الفحص الطبي الشامل للطفل، والاستفادة من الاستشارات الطبية، وتنظيم الوجبات الغذائية على أسس صحية، وتوفير المخدع المريح، والإضاءة والتهوية المناسبة، وحجرة الاستذكار الخاصة، وإعطاء قدر وافٍ من العناية للأنشطة الترويحية والرحلات الخلوية، وعدم إرهاق الطفل بتكليفه بأعمال إضافية أو واجبات منزلية تزيد على طاقته.
4 – إدخال تعديلات على الحالة النفسية للطفل:
وذلك بالعمل على تخفيف الضغوط التي يعاني منها الطفل، فلا يعقل أن يواجه الطفل هذه الضغوط من البيت ومن المدرسة، ويحرم الاندماج في جماعة الرفاق؛ بل ينبغي العمل على تعويض الطفل بظروف أفضل خارج البيت، فالخبرات الطيبة في المدرسة يمكن أن تساعد الأطفال عندما تصادفهم المتاعب في البيت، كما قد يكون للمشاركة في النادي أو في غرفة رياضة، أو حتى فرصة الانضمام لصحبة طيبة من أطفال نفس السن - أثر طيب في تخفيف الضغوط التي يُعاني منها الطفل[2].
وليَكُنْ واضِحًا لنا باستمرار أنَّه من خير الطرق التي يُمْكِنُ للكبار انتهاجها لمساعدة الأطفال في هذا الشأن، هي أن يعلموهم الفرق بين المشاعر العدائيَّة بِاعْتِبارِها انْفِعالاً طبيعيًّا لا ينبغي للأطفال أن يَستَشْعِروا بسببه الإثم، وبين السُّلوك العُدواني (الذي ينبغي فرضُ الحدود عليه)؛ ذلك أنَّه من اليَسِيرِ على الأطفال إذ يُحاولون تَحقيق المعايير التي يفرضها مُجتمع الكبار - أن يُسيئوا فهم ما ينتظره منهم الكبار، فقد يتوجسون خيفة من أن يلاموا على مشاعرهم قدر ما يُلامون على أفعالِهم.
إنَّنا لا نستطيعُ استِئْصالَ العُدوان من نفوس الأطفال بإنْكارِنا وجود العدوان في تلك النفوس، ولكنَّنا نستطيعُ أن نُساعدهم على تعلم مقاومة هذا الانفعال؛ حتى لا يصبح من الشدة بحيث يعجزون ونعجز معهم عن التحكم فيه[3].
ولا مناص من أن يشعر الطفل بالغضب بين الفينة والفينة، بيد أنه يستطيع الامتناع عن تصريف هذا الشعور دون حاجة لضغط خارجي، وإن مهمتنا كآباء ومربين هي:
- أن نتقبل المشاعر العدائية بوصفها جزءًا طبيعيًّا من حياة الطفل.
- أن نساعد الطفل على أن يعتاد التحكم في دوافعه العدائية.
دَوْر الأسرة في التعامل مع مشكلة السلوك العدواني للأطفال:
تلعب الأسرة دورًا هامًّا في عملية التنشئة الاجتماعية، وفي إطار هذه العملية يمكن للأسرة أن تقوم بدور هام في معالجة السلوك العدواني، ويتبلور ذلك في النقاط التالية:
1 – توجِّهُ الأُسرة حياةَ الطِّفل لإكْسابِه المعرفةَ فيما يتعلَّقُ بالمواقف التي يجب أن يثور فيها؛ ليحافظ على نفسه، ويدافع عنها، والمواقف التي يجب أن يتجنَّبَها، والمواقف التي يجب ألا يُبْدِي فيها سلوكًا عدوانيًّا.
2 – توجِّهُ الأسرة الطفل ليجد مسلكًا لتفريغ الشحنة العدوانية لديه؛ حتى يحول ذلك دون تراكمها، ومثال ذلك الألعاب المختلفة للأطفال في إطار التوجيه والمراقبة.
3 – تعمل الأسرة من خلال التنشئة الاجتماعية على تجنب إثارة الاستجابة العدوانية لطاقة كامنة؛ حتى لا تتحول إلى حركة عدوانية للطفل[4].
4 – مراقبة سلوك الأطفال وتوجيههم عند ظهور بوادر عدوانية[5].
5 – تعمل الأسرة من خلال التنشئة الاجتماعية على تَجَنُّب الطفل مواجهة المثيرات التي تؤدي إلى العدوان.
6 – ترسيخ القيم الدينية والأخلاقية التي توجه سلوك الأطفال نحو التخلص من الميول العدوانيَّة، والذي يَنْعَكِسُ على سُلوكهم في الحياة[6].
دور المدرسة في التعامل مع السلوك العدواني للأطفال:
تلعب المدرسة بما تضمهم من المعلمين والأخصائيين الاجتماعيين دورًا هامًّا في تخفيف حدة السلوك العدواني والتحكم فيه، ويتبلور ذلك في الخطوات التي يقوم بها كل منهم فيما يلي:
1 – أن يقوم المعلِّمُون بتقدير الصفات الشخصية الطيبة لدى الأطفال والإشادة بها.
2 – إتاحة الفرص للتلاميذ الذين يتميزون بالسلوك العدواني للتعبير عن مشاعرهم من خلال الأنشطة التربوية الاجتماعية والرياضية، ويتعاون في القيام بهذا الدور كل من المعلمين والأخصائيين الاجتماعيين بغرض التنفيس عن المشاعر العدوانية لهؤلاء الأطفال، والتقليل من حدتها ومن آثارها.
3 – ابتعاد المعلِّمين عن المواقف التي تثير السلوك العدواني لدى الأطفال في الفصل[7].
4 – اتِّصال الأخصائيين الاجتماعيين بأولياء أمور التلاميذ ذوي السلوك العدواني؛ للمساهمة في وضع خطة مشتركة لمساعدة هؤلاء التلاميذ للتخلص من مظاهر السلوك العدواني الذي يتسمون به في البيت أو في المدرسة[8].
دور المُحِيطين بالطفل والمتعاملين معه:
يفترض أن يقوم بِهذا الدَّوْرِ كُلُّ مَن يُحيطُ بالطفل أو يتعامل معه في مختلف المواقف اليومية، ويتضمَّنُ ذلك:
1 – معايشة الطفل لمشكلاته وحاجته المتكررة للعمل على حلها، أو إشباع حاجاته بالأسلوب السليم الذي يتناسب مع مرحلته العمرية[9].
2 – السَّماح للطفل بالحرية وحرية الحركة.
3 – عدم توجيه الإهانات إلى الطفل، أو السخرية من سلوكه أو طريقة تفكيره.
4 – التعامل مع الطفل بأسلوب الحزم والحكمة والتعقل دون قسوة.
5 – عدم التفرقة في المعاملة بين الأطفال.
6 – عدم القيام بعقد مقارنات بين الطفل وغيره؛ حتى لا يثير ذلك الغيرة لديه.
7 – ضرورة تعويد الطفل احترام ملكيته الخاصة وملكية الآخرين.
8 – استخدام القُدوة في المواقف المختلفة، لتعلم ضبط الانفعال[10].
9 – شغل وقت فراغ الطفل بالألعاب والأنشطة الجماعية المُجْدِية والمفيدة، مع مراعاة ميوله.
10 – تشجيع قيام جَماعات الأطفال تَحْتَ الإشراف والتوجيه، وتنمية روح الولاء والانتماء لديهم.
11 – مراقبة سلوك الأطفال دون إشعارهم بذلك، مع توجيههم التوجيه السليم في التعامل مع الأقران[11].
دور الهيئات والمؤسَّسات العاملة في مجال الطفولة:
1 – حصر الأطفال ذوي السلوك العدواني، ووضعهم تحت المراقبة والتوجيه.
2 – دراسة الأسباب الحقيقة للسلوك العدواني في كل حالة.
3 – مواجهة السلوك العدواني من أساسه بالعلاج، وليس الاقتصار على علاج مظاهره فقط.
4 – تدعيم الرَّبْطِ بَيْنَ أسرة الطفل والمؤسسة؛ لكي يكون العلاج مفيدًا.
5 – العمل على تتبع الأطفال مع ذويهم بعد معالجتهم؛ للتخلص من أنماط السلوك العدواني نهائيًّا.
6 – توفير فرص لشغل أوقات الفراغ للأطفال بما يسمح بإفراغ شحناتهم الانفعالية، وتوظيفها إيجابيًّا، وكذلك بما لا يسمح بعودة ظهور أنماط السلوك العدواني مرة أخرى اكاديمية علم النفس منقول للفائدة