نجم يسيطر على النظام المداري الذي يحتوي الأرض . وترجع هذه السيطرة إلى تأثيرات الجاذبية الناتجة عن كتلتها بقدرة الله الخالق للكون سبحانه وتعالى. ومن خلال الإشعاع المنبعث من طاقتها الكهرومغناطيسية تقوم الشمس- بشكل مباشر أو غير مباشر- بتوفير كل الطاقة اللازمة للحياة على الأرض، لأن كل أنواع الغذاء والوقود مستمدة من النباتات التي تستخدم الطاقة المتولدة من ضوء الشمس.
الشمس مصدر الحرارة والضوء
وبسبب قرب الشمس من الأرض وكونها تمثل الخصائص الأساسية للنجوم فقد أصبحت الشمس مصدرا متميزا لدراسة الظواهر النجمية. ولم يحظ نجم آخر بمثل ما تحظى به الشمس من الدراسة المفصلة. ويقع أقرب نجم من الشمس على بعد (4,3) سنة ضوئية. وحتى يمكن من رصد الخواص الموجودة على سطح هذا النجم والتي يمكن مقارنتها في الحجم بخواص مماثلة يمكن رؤيتها بشكل منتظم على سطح الشمس يلزمنا تليسكوب يبلغ قطره 30 كيلو متر. كما يلزم أيضا أن يطلق هذا التليسكوب في الفضاء حتى لا يشوش عليه مجال الغلاف الجوي التابع الأرض.
تاريخ الرصد العلمي
في غالب الوقت الذي تواجد فيه الإنسان على الأرض حظيت الشمس باهتمام خاص بوصفها جرما سماويا. فالعديد من أصحاب الحضارات الغابرة عبدوا الشمس كما اعتقد البعض كونها ضرورة من ضروريات دورة الحياة. وبعيدا عن أهميتها في التقويم وأهمية الموقع في تحديد الانقلابات الشمسية واعتدالي الربيع والخريف و الكسوف الشمسي والخسوف القمري ، فإن تاريخ الدراسة الكلية للشمس يرجع إلى اكتشاف البقع الشمسية. ولم يشرع أحد في دراسة الظواهر الطبيعية للشمس إلا بعد هذه المرحلة بحقب طويلة. وفي القرن الثالث الهجري / التاسع والعاشر الميلاديين قاس البتاني بدقة فائقة ميل فلك البروج، ووجد أن أوج الشمس على فلك البروج يقع على بعد (22) درجة و(50) دقيقة و(22) ثانية من برج الجوزاء. وبذلك أكد حركية أوج الشمس. وقد حسب طول السنة المدارية فوجده مساويا لقيمة (365) يوم و(21) ساعة و(26) دقيقة. وقد تبنى البتاني قيمة ثابتة لمبادرة الاعتدالين التي وردت في الزيج الممتحن، وهي المساوية لدرجة واحدة كل (66) سنة. وقد رصد البتاني تغير زاوية الرؤية لكل من الشمس والقمر، واستنتج لأول مرة في تاريخ علم الفلك أن كسوفات الشمس الحلقية ممكنة، لأن زاوية رؤية القمر، في حدها الأدنى، يمكن أن تكون أصغر بقليل من زاوية رؤية الشمس. كما أكد أن زاوية رؤية القمر عند قرانه مع الشمس، تتغير من (29) دقيقة و(30) ثانية إلى (35) دقيقة و(20) ثانية (التغير الحقيقي هو من (29) دقيقة و(20) ثانية إلى (33) دقيقة و(30) ثانية). وأن زاوية رؤية الشمس تتغير من (31) دقيقة و(20) ثانية إلى (33) دقيقة و(40) ثانية (التغير الحقيقي هو من (31) دقيقة و(28) ثانية إلى (32) دقيقة و(28) ثانية).
وعن طريق استخدام التليسكوب استطاع جاليليو اكتشاف البقع الشمسية المعتمة. وقد ميز اكتشاف جاليليو بداية مسلك فلسفي جديد في دراسة الشمس. وفي النهاية استقر الرأي على أن الشمس جرم حركي متطور، ومن هذا المنطلق يمكن فهم خصائص الشمس وأطوار تغيرها من منظور علمي.
وفي عام 1229هـ / 1814 م كان أهم ثاني إنجاز متقدم في دراسة الشمس يعزى إلى استخدام عالم الطبيعة الألماني جوزيف فون فراونهوفر لمنظار التحليل الطيفي. ويقوم هذا المنظار بفصل الضوء إلى مواضع الذروة في إشعاعات مكوناته أو ألوانه. وبالرغم من أن دراسة طيف الشمس قد بدأت مبكرا في عام 1076هـ / 1666 م على يد عالم الرياضيات الإنجليزي السير إسحاق نيوتن، إلا أن التفصيل والدقة الذين تمتع بهما عمل جوزيف فون فراونهوفر قد وضعا الأساس لأولى المحاولات لإيجاد تفسير نظري مفصل لغلاف الجو الشمسي.
ويتعرض بعض الإشعاع المنبعث من السطح المرئي للشمس للامتصاص من خلال الغاز الأكثر برودة والموجود فوقها. ومع ذلك فإن عملية الامتصاص لا تتناول إلا أطوالا موجية معينة من الأشعة المنبعثة بناء على أنواع الذرات الموجودة في غلاف الجو الشمسي. وفي عام 1275هـ / 1859 م أوضح عالم الطبيعة الألماني جوستاف كرشهوف للمرة الأولى أن أي نقص في الإشعاع في بعض الأطوال الموجية في الطيف الشمسي يحدث نتيجة امتصاص الإشعاع بواسطة ذرات بعض العناصر التي تماثل بعض عناصر الأرض. وهذا لا يعني فقط أن مادة الشمس عادية كغيرها من المواد ولكنه يعني أيضا إمكانية استنباط معلومات مفصلة عن الأجرام السماوية عن طريق دراسة الضوء والأجسام المنبعثة منه، وكان ذلك بداية ظهور علم الفيزياء الفلكية.
قد استمر التطور في فهم الشمس منوطا بقدرة العلماء على القيام بعمليات رصد جديدة متطورة. وكان من بين آلات الرصد التي أثرت تأثيرا هاما في فيزياء الفضاء جهاز رسم الطيفي الشمسي الذي يقيس طيف الخصائص الشمسية الفردية وجهاز رسم الهالة الذي يمكن العالم من دراسة الهالة الشمسية دون الحاجة إلى حدوث الكسوف وجهاز الرسم المغناطيسي الذي اخترعه عالم الفلك الأمريكي هوريس و. بابكوك في عام 1367هـ / 1948 م والذي يقيس قوة المجالات المغناطيسية فوق السطح الشمسي. وقد أدى تطور الصواريخ والأقمار الصناعية إلى تمكن العلماء من رصد إشعاعات الأطوال الموجية التي لا تنتقل عبر الغلاف الجوي الأرضي. ومن بين الآلات التي تم تطويرها للاستخدامات الفضائية أجهزة رسم الهالة والتلسكوبات ومراسم الطيف الحساسة للإشعاعات فوق البنفسجية وأشعة إكس. وقد أدى اكتشاف الآلات الفضائية إلى إحداث ثورة في دراسة الغلاف الجوي الخارجي للشمس.
وفي عام 1326هـ / 1908 م اكتشف عالم الفلك الأمريكي جورج إي. هيل أن البقع الشمسية تحتوي على مجالات مغناطيسية شديدة القوة. وتحتوي البقعة الشمسية النموذجية على قوة مجال مغناطيسي تصل إلى 2500 وحدة حث مغناطيسي. وبالمقارنة فإن المجال المغناطيسي الأرضي يحتوي على وحدة واحدة من وحدات الحث المغناطيسي. ويغلب وجود البقع الشمسية في مجموعات زوجية حيث يوجد المجال المغناطيسي في كل زوج في نقطة مقابلة للزوج الآخر، أحدها إلى داخل الشمس والآخر إلى خارجها. وقد تم التعرف على دورة البقع الشمسية -حيث يتم التباين في عدد البقع من الأدنى إلى الأعلى ثم إلى الأدنى مرة أخرى في مدة 11 عاما- منذ القرن الثامن عشر على أقل تقدير. غير أن النمط المغناطيسي المعقد المرتبط بالدورة الشمسية لم يعرف إلا بعد اكتشاف المجال المغناطيسي الشمسي.
ومن بين أزواج البقع الشمسية في النصف الشمالي للشمس نجد أن البقعة التي تقود زوجها في اتجاه الدوران يكون اتجاه مجالها المغناطيسي عكس اتجاه البقعة الموجهة في النصف الجنوبي للشمس. وعندما تبدأ الدورة الجديدة المكونة من 11 عاما ينعكس اتجاه البقعة الموجهة في نصفي الشمس. وبذلك تستغرق الدورة الشمسية الكاملة- بما في ذلك قطبية المجال المغناطيسي- 22 عاما تقريبا. وعلاوة على ذلك يكثر حدوث الب قع الشمسية على سطح الشمس في أي وقت في نفس خط الطول في نصفي الشمس. ويتحرك هذا الخط الطولي من درجة 45 إلى درجة 5 خلال دورة البقع الشمسية.
ولأن وجود البقعة الشمسية في الغالب لا يمتد لأكثر من بضعة شهور فإن الدورة الشمسية التي تستغرق 22 عاما تكون مسرحا لحدوث عمليات مستقرة وطويلة الأمد في الشمس وليس فقط في خصائص البقع الشمسية المنفردة. ورغم أنه لم يتم استيعاب ظاهرة الدورة الشمسية استيعابا تاما إلا أن الظاهر أنها تنتج عن التفاعلات بين مجال الشمس المغناطيسي وبين منطقة الحمل الحراري في الطبقات الخارجية من الشمس. وهذه التفاعلات بالإضافة إلى ذلك تتأثر بدوران الشمس حيث لا تكون متماثلة في كل خطوط العرض. فالشمس تكمل دورتها مرة كل 27 يوما بالقرب من خط الاستواء بينما تكمل دورتها بالقرب من القطبين مرة كل 31 يوما.