ا أمة الله! من الأمور التي تحفظين بها نفسك من الذنوب والمعاصي: المحاسبة والمراقبة. أن تراقبي الله جل وعلا في كل مكان، فإذا كنتِ في الليل في غرفتك لوحدك، وفتحت التلفاز، اعلمي أن هناك من يراكِ ويطلع عليك ويراقبك.. أتعلمين من هو؟ إنه الواحد الأحد.. إنه الفرد الصمد.. إنه الذي خلقك فسواك. فيا من تتجولين في السيارة، وتستمعين إلى الأغاني، وتقولين: الحمد لله! لا أحد يراني، ولا أحد يستمع إليَّ، فإذا بك تضعين ذلك الشريط، وتقلبين الإذاعة، فتسمعين تلك الأغنية.. أتظنين أنه لا أحد يسمعك؟! اسمعي من الذي ينظر إليك ويحسب عليك كل نفس وكل خاطرة وكل نظرة، وكل أغنية، وكل كلمة .. يقول الله جل وعلا: عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ [الرعد:9]. من هو؟ إنه الله جل وعلا، عالم الغيب.. عالم السر.. عالم كل شيء عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ * سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ [الرعد:9-10] سواءً في علم الله التي تتكلم بالسر، وترفع سماعة الهاتف، وتكلم فلاناً، ويكلمها فلان، وتأتي إلى الغرفة وتغلق الباب على نفسها، وتخفض صوتها وتتكلم. سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ [الرعد:10] أي: الذي يستخفي في الليل، ويخفي نفسه في الظلام، وتخفي نفسها وتغلق الباب على نفسها، إن الله يراها .. يقول الله جل وعلا: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14]. فهذا الإمام أحمد، الذي كان من ورعه وتقواه وزهده أنه كان يترك المباح خشية أن يقع في الحرام .. هذا الرجل أتاه أحد التلاميذ، فقال له: يا إمام! أسمعت إلى ذلك الشعر؟ قال: ما هو؟ فإذا به يردد بيتاً وشعراً، فما كان من الإمام أحمد إلا أن تأثر، ثم خرج من مكانه في مجلسه ووضع الكتاب، ودخل إلى غرفةٍ، وأغلق على نفسه الباب، ويردد هذه الأبيات وهو يبكي:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيبُ
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفيه عنه يغيبُ
ألم تر أن اليوم أسرع ذاهبٍ وأن غداً للناظرين قريبُ
لهونا لعمر الله حتى تتابعت ذنوبٌ على آثارهن ذنوبُ
فيا ليت أن الله يغفر ما مضى ويأذن في توباتنا فنتوبُ
لا تقل: لا أحد في الغرفة، ولا تقل وأنت في السوق: الحمد لله! لا أحد يراني في هذا المكان: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14]. يا أمة الله! إذا أتيت إلى الله جل وعلا يوم القيامة، فإن الله سوف يعرض عليك كتاباً لا يغادر صغيرةً ولا كبيرة إلا أحصاها .. يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:30] بل سوف تجدين كل كلمة، وابتسامة، ونظرة، وكل أغنية، وفيلم، ومسلسل، سوف تجدينه مسجلاً عند الله جل وعلا يوم القيامة، فلا تظنين أن الله ينسى، ولا تظنين أن الله جل وعلا تخفى عليه خافية. أمة الله: إن الله -جل وعلا- لا ينظر إليك فقط، بل يعلم ما تتحدثين به في نفسك، وما توسوس به النفوس، قال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [البقرة:235]. ولا تقولي: لا أحداً في الغرفة يسمعنيويراني. أمة الله: هذه المرأة هجرها زوجها إلى الجهاد في سبيل الله، وظلت أشهراً على هذه الحال، والشهوة تصارعها، والفتنة تراودها، وهي تستطيع أن ترتكب المعاصي كلها؛ لأنها بمفردها في البيت، فإذا بـعمر بن الخطاب يستمع إليها من وراء الجدار، وهي تردد هذه الأبيات وتقول:
تطاول هذا الليل واسود جانبه وأرقني ألا خليل ألاعبه
فوالله لولا الله رباً أراقبه لحرك من هذا السرير جوانبه
لولا أن الله ينظر إليَّ، ويراقبني، وأن الله تبارك وتعالى يسمع كل شيء، بل يعلم ما توسوس به نفسي، لحرك من هذا السرير جوانبه.