هذا موضوع تربوي قرأته واعجبني يقدم فيه كاتبه مواقف تربوية هامة من حديث احفظ الله يحفظك
اتمنى أن نستفيد منه جميعا :
-------
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ( كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال : يا غلام إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده تجاهك, إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله, واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك , ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك , رفعت الأقلام, وجفت الصحف )
من هذا الحديث نقتبس موقفا تربويا مهما ينبغي للمربي أن يُعنى به ويطبقه في واقع الحياة متأسيًا في ذلك بمربي الأمة ورسولها محمد صلى الله عليه وسلم. فنظرة سريعة إلى هذا الحديث دون الخوض في تفاصيله ، نخرج ببعض الفوائد التربوية، وكيفية تفعيلها عمليا في نفوس الناشئة.
وقفة تربوية من قوله صلى الله عليه وسلم :
يا غلام
نستفيد منها فائدة مهمة جليلة ، وهو أن الغلام كما يعرفه أهل اللغة الصبي في حين يفطم إلى تسع سنين. فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وجه هذه الوصايا العظيمة إلى هذا الغلام وهو لم يتجاوز سن العاشرة ، فهذا يدلنا على حرصه صلى الله عليه وسلم على الناشئة ، وتعليمهم ما ينفعهم من أمور دينهم في سن مبكر وهو بالتالي يرسم لنا منهجا تربويا عظيما.
الوقفة التربوية
إنه ينبغي للمربي أن يُعنى بالتربية الإسلامية وتعليم الناشئة بالله عز وجل في سن مبكرة ، لما له من الأثر العظيم ، وعدم إغفال أي مرحلة عمرية للطفل وذلك بتعليمه ما يناسبه ، فقد كان الصحب الكرام ومن تبعهم يطبقون ذلك جليا وذلك حين نراهم يلقنون الصغير الشهادتين وهو لا يزال في المهد ، وهكذا يتدرج المربي في تعليم الإيمان والعقيدة السليمة بما يناسب أعمارهم.
التطبيق
كأن تحرص الأم على تعليم ابنها الصغير الذي دون السنتين التسمية في جميع أحواله عند ما يأكل ، عندما يقع على الأرض ، عند ما يخاف من الظلام ثم تتدرج معه بتعليمه الأذكار المخصوصة في مواضعها ، فذلك كفيل بإذن الله في تعليقه بالله.
وكذلك فيما يرى الطفل من مظاهر الكون فيربط ذلك بالله عز وجل فمثلا عند نزول المطر يقال له : من أنزل المطر؟
وهكذا في مواقف كثيرة يُربط بها الطفل بالله عز وجل.
وقفة التربوية من قوله صلى الله عليه وسلم :
إني أعلمك كلمات
بهذه العبارة اللطيفة يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم لتلك الوصايا النافعة فيناديه بكل حب ورحمة : يا غلام إني أعلمك كلمات ليجمع ذهنه ويستحضر قلبه ، ثم يشوقه إلى ما سيقوله له ليعي قلبه وعقله ما سيقال له فينتفع بتلك الوصايا التي تحمل في طياتها قواعد عظيمة من قواعد الدين.
الوقفة التربوية
إنه ينبغي للمربي استخدام الأسلوب الحسن في شد انتباه الناشئ وتهيئته بالعبارة اللطيفة قبل إعطائه المعلومات، واستخدام أسلوب التشويق وتنويع ذلك ليكون أوقع في نفسه.
التطبيق
عندما يريد الأب مثلا نداء ابنه لتوجيهه لأمر معين ، فلا بد أن يخصه بنداء حسن يحبه ، حتى يلفت انتباهه ، ثم يقدم ذلك التوجيه أو الطلب بمقدمة لطيفة كالدعاء مثلا ، أو ذكر مصلحة نافعة له ، فيقول له تارة : يا أبا فلان وتارة أي بني الغالي اسمع حفظك الله من كل مكروه وهكذا يتفنن في هذه العبارة الرائعة التي هي مفتاح القلوب ، ولا شك أن الدعاء من المقدمات الحسنة التي تهواها النفوس.
ويمكن أن يستفاد من هذا الموقف النبوي في الأمور العامة التي تطلبها الأم من أبنائها عند ما يكونوا مجتمعين ، فقد تكون الأم مستعجلة فتأمر بأمر ما لأحد أبنائها دون أن تعينه ، فتظن أنه قد سمع أمرها ثم تفاجأ بعدم التنفيذ فلو أنها هيأت ذلك الابن لذلك الأمر بذكر اسمه وتثنيته بالدعاء لكان أدعى لاستجابته لأمر والدته.
وقفة التربوية من قوله صلى الله عليه وسلم:
احفظ الله يحفظك
قاعدة عظيمة ، ووصية نافعة جليلة ، يجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم نبراسا مضيئا لمن رام شرف حفظ الله ، وشرط هذا الحفظ أن تحفظ الله عز وجل.
فكيف يا ترى نربي الطفل على أن يحفظ الله وكيف يحفظه الله ؟
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم : ( يعني احفظ حدوده وحقوقه , وأوامره ، ونواهيه ، وحفظ ذلك : هو الوقوف عند أوامره بالامتثال , وعند نواهيه بالاجتناب ، وعند حدوده فلا يتجاوز ما أمر الله به وأذن فيه إلى ما نهى عنه ، فمن فعل ذلك فهو من الحافظين لحدود الله الذي مدح الله في كتابه ، وقال عز وجل : (( هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ * من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب )) أما حفظ الله لعبده فيدخل فيه نوعان كما ذكره الحافظ ابن رجب :
أحدهما
حفظه له في مصالح دنياه ، كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله.
والثاني
وهو أشرف النوعين : حفظ الله للعبد في دينه وإيمانه ، فيحفظه في حياته من الشبهات المضلة ، ومن الشهوات المحرمة ، ويحفظ عليه دينه عند موته فيتوفاه على الإيمان ...
وفي الجملة فالله عز وجل يحفظ على المؤمن الحافظ لحدوده دينه ، ويحول بينه وبين ما يفسد عليه دينه بأنواع من الحفظ، وقد لا يشعر العبد ببعضها وقد يكون كارها له.
الوقفة التربوية
إنه ينبغي للمربي أن يُعنى بهذه الوصية فيعلمها للناشئة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فيعلقهم بالله عز وجل ، ويبين لهم أهمية حفظ الله للعبد ، وأن هذا الشرف وهذه النتيجة إنما تكون لمن حفظ الله ، فحافظ على ما أمره الله به من صلاة وصيام وزكاة وغيرها , واجتنب ما نهاه الله عنه من محرمات ومكروهات لا ترضي الله عز وجل.
وتعليق الناشئة بالله عز وجل أصل من أصول التربية الإسلامية ، ينبغي الحرص عليه من قِبَل المربي.
التطبيق
وتطبيق هذه القاعدة مع ما سبق يمكن أن يتجلى في هذا المثال : كأن تحتضن الأم ابنها الذي لم يتجاوز العاشرة فتقول له : أي بُني إني أريد أن أخصك بخطاب وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم لطفل صغير في مثل سنك ، إنها وصية عظيمة ، فهل تريد أن تسمع ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك الطفل ؟ ثم تذكر له هذا الحديث ، وتلخص معناه بعبارة بسيطة كأن تقول له : يا بني إن أنت حفظت الله فصليت الصلاة مع الجماعة وأطعت أمك وأباك ورحمت أخاك الصغير ، ولم تسمع الغناء ، ولا تنظر إلى ما يغضب الله وفعلت ما يرضي ربك ، حفظك الله في يومك وليلتك.
وهكذا يكون تجسيد الحديث في واقع الطفل ، ثم تأمره أن يحفظ الحديث ويكرر هذه الوصية عدة مرات :
احفظ الله يحفظك
ويبلغها أصحابه ، ثم تذكر له قصصا واقعية في حفظ الله لعباده ، وهي كثيرة بحمد الله.
وكذلك المعلم عندما يربي أولئك الشباب فيقول لهم : إن أردتم سلامة في هذه الحياة فضعوا نصب عينيكم حديث رسول الله ووصيته العظيمة لطفل صغير لم يبلغ مبلغكم :
احفظ الله يحفظك
طلابي الأعزاء احفظوا الله عز وجل في ذات أنفسكم ، حافظوا على الصلاة مع الجماعة ، سارعوا إلى مرضا الله ، تجنبوا سخطه ، فاحفظوا جوارحكم : سمعكم وبصركم وقلوبكم ، واحفظوا فروجكم وأيمانكم ، واحفظوا أموالكم من الحرام ، يكلؤكم الله بحفظه في الحياة والممات ، يحفظكم في دينكم من أن تنحرفوا أمام الفتن والشبهات والشهوات ، ويتوفاكم على ما يرضاه لكم وإن أقدمتم على ما يغضب الله فاعلموا أن هذا الحفظ سيخلف عنكم ، واعلموا أن الله معكم يحفظكم ما دمتم لحدوده حافظين.
وهكذا يحاكي المعلم شغاف قلوب هؤلاء الشباب بأن يقرع قلوبهم ، ويفتح أذهانهم إلى الأمور التي هم ضيعوها ، فبالتالي يرجعوا يستشعروا عظمة هذا الحديث.
وقفة تربوية في قوله صلى الله عليه وسلم :
إذا سألت فاسأل الله
وهذه الوصية هي كقول الله عز وجل : ((واسألوا الله من فضله )) أي : وحد الله في السؤال ، فإن خزائن الوجود بيده ، وأمرها إليه لا معطي ولا مانع سواه ..
لذا يجب على المسلم ألا يسأل إلا الله عز وجل ، وأن يلح في سؤاله ودعائه فسؤال الله عِزة وسؤال غيره ذلة ومهانة ، لذا جاء في عدة أحاديث النهي عن مسألة المخلوقين ، بل قد بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعةً من أصحابه على أن لا يسألوا الناس شيئًا ، حتى كان أحدهم يسقط سوطه أو خطام ناقته فلا يسأل أحدًا أن يناوله إياه ، كما جاء في صحيح مسلم.
الوقفة التربوية
إنه ينبغي على المربي أن يغرس في نفوس الناشئة التوكل على الله والاستعانة به في جميع الأمور ، ويعلمهم ويعودهم أن يسألوا الله عز وجل في جميع حوائجهمويذكرهم دائمًا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه ، وأنه أوصانا أيضا : ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها ، حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع .
لكن قد يقال : إن هناك أمور لا بد أن يسأل فيها الناس؟
وهنا يبين لنا الإمام النووي رحمه الله كيف نربي أنفسنا وأولادنا أن السؤال كله ينبغي أن يكون لله عز وجل في كل الأمور كما قال صلى الله عليه وسلم وأن يكون اعتماد القلب على الواحد الأحد القادر، فيقول رحمه الله : ( إن كانت الحاجة التي يسألها لم تجر العادة بجريانها على أيدي الخلق كمطلب الهداية والعلم .. وغيرها ، سأل ربه ذلك. وإن كانت الحاجة التي يسألها جرت العادة أن الله سبحانه يجريها على أيدي خلقه ، كالحاجات المتعلقة بأصحاب الحرف وولاة الأمور ، سأل الله تعالى أن يعطف قلوبهم ويسخرهم له ) فبالتالي نربي الناشئة ونعلقهم بالله عز وجل ، فهو وإن كان في الظاهر سؤالنا للخلق فهو فعل سبب ، ونحن في الحقيقة نسأل الله عز وجل أن يسخرهم لنا فلا نتعلق بسؤالنا لهم بل قلوبنا معلقة بالله.
وهكذا يخرج المربي من هذه الوصية العظيمة بفوائد جمة ، فكما رباهم على التعلق بالله عز وجل ، وسؤاله دون سواه ، فإنه ينَشئ في قلوبهم العزة بالله لأن سؤال الناس مذلة.
التطبيق
ومثال ذلك عند ما يقول الأب لابنه الشاب- الذي يبحث عن وظيفة مثلا : يا بني اعلم أن الله عز وجل هو الرزاق ، وأن بيده خزائن السماوات والأرض فليكن سؤالك له وحده دون سواه ، واعلم أن ما تطلبه من وظيفة يجب أن تتجه في ذلك لله وحده ، نعم ما تفعله أنت الآن إنما هي أسباب ، لكن الله هو الذي يفعل ما يشاء.
وكذلك تزرع الأم هذا المبدأ في نفس ابنها الصغير أيضا ، فتبين له اعتزاز الصحابة بربهم فلا يطلبون ولا يسألون إلا الله حتى في الأمور الصغيرة فالإعانة في رفع السوط أمر سهل ، ومع ذلك ما سألوا أحدًا أن يعطيهم إياه.
وبالتالي تزرع في نفسه كراهة الحاجة للناس ، وتبين له أن لا يطلب من أحد ما دام قادرا على الفعل ، فلا يطلب من إخوانه ولا من خادمه أن يحضر له لعبته أو ملابسه أو طعامه ، بل يعتز بنفسه.
وهنا يتحقق بهذا المبدأ ترسيخ التعلق بالله تعالى ، وتحقيق كمال التوحيد وأيضا فيه تعويد للأطفال على الاعتماد على النفس
منقول... للفائده