قالت : ليس في حياتي شيئا عظيما ، كلها أمور عادية ، وإذا أردت أن أسجلها ستتراوح بين الطهي والتنظيف ورعاية الأسرة ، حتي أدائي للعبادات تقليدي ،وعلاقاتي بالأهل والأصحاب جيدة ، أعطي نفسي درجة مقبول بالعافية ، لم تكن هذه هي تصوراتي ونيتي في بداية الطريق .
قلت : إذن لماذا نحبك ؟
فاجأها السؤال ونظرت لي حائرة وأعادته لي : حقا لماذا ؟
قلت : ليست لدي إجابة محددة ، كما أن أسئلة الحياة في أغلبها لا تحتمل الأجوبة القطعية ، ربما لأنها أجوبة ذات بعد واحد بينما الإنسان يحمل بداخله أبعادا وأعماقا لا يعلمها إلا الله .
قالت : الحب قطرات الندي تتراكم فتصبح نبعا من الماء لا يشبهه شيئ في عذوبته وأريجه ورواءه ، والحب لا يتم تبادله إلا بين نفوس صافية قادرة علي العطاء .
قلت : تبدو الحياة في ظاهرها بسيطة رتيبة متشابهه أحيانا إلي درجة الملل ، لكنها ليست كذلك ، الفرق يكمن في التفاصيل ، وفي تلك المعاني المختبئة بين السطور ، تقول كل الزوجات ( أرعي أسرتي ) ويقول كل الطلبة ( أنا أدرس ) ويقول كل المصلين ( أديت الصلاة ) ويقول كل إنسان ( لم أظلم أحدا ) ولكن التفاوت بين كل شخص وآخر كبير .
قالت : المعاني المختبئة هي ما أفكر فيه ، عند التعامل اليومي ينضح كل إناء بما فيه ، وتجدين نفسك بمرور الوقت أحببت رقة تلك الصديقة وذوقها واحترمت رجاحة عقل جارتك وشعرت بالنفور من قريبتك الفضولية المتطفلة ، رغم أنك لا تجدين ما تمسكينه في يدك من سلوك ظاهر وقاطع .
قلت : الأمر أبعد من ذلك ، السر يكمن في مكان غير محدد داخل النفس ، يحوي ما يسميه علماء النفس قديما ( الأنا الأعلي ) ويسمونه حديثا ( الدليل المرشد ) ويسميه الناس ( الضمير ) ويصفه القرآن الكريم ب ( النفس اللوامة ) تلك النفس التي تسعي في سبيل الارتقاء لتصبح يوما ( النفس المطمئنة )
قالت : لا تنسي المنفعة ، الإنسان المحبوب هو النافع لغيره ، هو الذي يحدث فرقا لو غاب عن مكانه ، هو الذي يقصده الآخرين وهم متأكدين أنه سيبذل قصاري جهده لخدمتهم لوجه الله تعالي .
قلت : وصلنا لنهاية المطاف ، من يستقر اليقين في قلبه ، ويمضي في حياته علي هدي وبصيرة ، ويحسن إلي غيره في الصغيرة قبل الكبيرة ، ويفعل الخير منتظرا الأجر والجزاء من الله تعالي ، هو الإنسان الصالح المحبوب ، حتي لو لم يكن من الأبطال المشهورين ، وحتي لو ظن أنه مجرد شخص عادي مغمور .
قالت : تقصدين بطولة ربة البيت الصابرة والعامل المكافح والموظف البسيط والإنسان الذي لم يسمع باسمه أحد ؟
قلت : تتفاوت الأقدار في الدنيا ، فقد يعلو أناس كساهم الزيف حلة براقة ، وقد يغفل الجميع عن قلوب ذهبية تهب الخير لمن حولها دون أن يلحظها أحد ، عرفت الآن لماذا نحبك ؟.