البارودي، محمود سامي
al- Barudi, Mahmud Sami
البارودي، محمود سامي (1255 - 1322هـ ، 1839 -1904م). شاعر مصري ورائد من رواد النهضة الشعرية في العصر الحديث.
ولد لأبوين شركسيين ينتميان إلى السلاطين المماليك الذين حكموا مصر قرونًا من الزمان. كان والده ضابطًا في الجيش المصري، وكان على قدر كبير من الثّراء، وقد توفي أبوه وهو في السابعة من عمره، فكفلته والدته واستطاعت بما لديها من مال أن توفّر له وسائل التعليم في البيت فأحضرت له المعلمين فعلموه القرآن الكريم وشيئًا من الفقه والتاريخ والحساب والشعر.
في عام 1850م التحق بالمدرسة العسكرية وتخرج فيها بعد أربع سنوات، وشارك في حروب الدولة العثمانية وكان أحد القادة المرموقين. وقد سجل تجاربه العسكرية والحربية في بعض قصائده التي كان ينظمها من ميدان المعركة ويرسلها إلى أصدقائه في مصر. ترقى في السلك العسكري والسلك المدني وحصل على أعلى المراتب. فكان وزيرًا للمعارف والأوقاف ووزيرًا للحربية والبحرية في عهد الخديوي توفيق، ثم أصبح رئيسًا للوزراء قبيل اندلاع الثورة العرابية التي شارك فيها ـ وكان من أبرز وجوهها ـ وقد حكم عليه بعد فشل الثورة ـ مع غيره من قادتها ـ بالنفي المؤبد إلى جزيرة سرنديب وهي سريلانكا الآن. ومكث هناك ما يزيد على سبع عشرة سنة حيث عاد سنة 1900م بناء على نصيحة الأطباء بعد أن فقد بصره. وفي الشهر الأخير من سنة1904م توفي بعد أن بنى مجدًًا شعريًا لايقل عن مجده الوطني.
لا يمكن فصل قيمة البارودي الأدبية عن معطيات عصره الذي وصلت فيه القصيدة العربية إلى درجة من الانحدار لم تصل إليها من قبل، فقد هاله هذا الوضع المتردي للشعر العربي، فانطلق في عالم الشعر منذ شبابه حاملاً رسالة مهمة، هي إعادة الشعر العربي إلى ماكان عليه في عصوره الزاهرة، فأضحى شعره يشاكل شعر الفحول في صدر العصر العباسي. وقد ساعده ذكاؤه الحاد وموهبته الفذة على تحقيق ذلك الهدف بمعارضة الشعراء الأقدمين وتقليد أساليبهم وتراكيبهم، فقامت المعارضات في شعره بوظيفة محددة هي بعث الشعر العربي الأصيل وإحياء مصطلحه الشعري، فكان بذلك رائد ماسمي في تاريخ النقد الحديث حركة الإحياء أو رائد مدرسة الاتجاه المحافظ البياني كما سماها الدكتور أحمد هيكل في كتابه الأدب العربي الحديث. ومن شعره المشهور قصيدته التي تحدث فيها عن شعره، وفيها يقول:
أقول بطبع لست أحتاج بعده إلى منهل المطروق والمنهج الوَعْرِ
إذا جاش طبعي فاض بالدر منطقي ولاعجب فالدر ينشأ في البحر
وقوله:
آن ياشعر أن تفك قيودًا قيدتنا بها دعاة المحال
فارفعوا هذه الكمائم عنا ودعونا نشم ريح الشمال
ومن مشهور شعره قوله:
سواى بتحنان الأغاريد يطربُ وغيري باللّذات يلهو ويلعبُ
وما أنا ممن تأسر الخمرُ لبَّه ويملك سمعيه اليراعُ المثقّبُ
وهو يجاري فيها الكُمَيْت في بائيته الشهيرة:
طربتُ وماشوقًا إلى البيض أطربُ ولا لعبًا مني وذو الشيب يلعب
وله القصيدة الميمية المطوّلة في مدح الرسول ³، وقد سمّاها: كشف الغُمَّة في مدح سيِّد الأمَّة، وقد جارى فيها البوصيري في البُردة، وأوَّلُها:
يارائد البرق يمِّمْ دارة العَلَمِ واحدُ الرِّكابَ إلى حيٍّ بذي سَلَم
له ديوان مطبوع في جزءين ومختارات شعرية مطبوعة في جزءين، وقد ضمنهما مختارات لثلاثين شاعرًا عباسيًا.