الزُهرة، كتاب
الزُهرة، كتاب. يعد كتاب الزهرة من المؤلفات العربية الباكرة التي ناقشت قضية الحب ومفهوم العشق لدى العرب. مؤلفه أبو بكر محمد بن داود الظاهري (ت: 297هـ، 909م). ويذكر الذين ترجموا له أنه عالم وأديب شاعر، كان من أهل الذكاء في عصره، صاحب مواهب متعددة، لين الجانب، وكان لنحافته ورقته يسمى عصفور الشوك. خلف والده في رئاسة المذهب الظاهري، وجلس للتدريس، وألف في علم الأصول وفي الفقه الظاهري. وقد نشأ في بغداد حين كانت محورًا للثقافات تصطرع فيها الحركات الفكرية بكل ألوانها. وهو ممن أدوا دورًا في محاكمة الحلاج الصوفي الشهير ولكنه توفي قبل أن يشهد إعدامه.
ويبدو أنه بدأ في تأليف كتابه وهو ما يزال يافعًا فقد اشتهر بالتقوى والفقه.
استهل الكتاب بمقدمة مسجوعة ثم عرض منهج تأليفه. ويضم الكتاب مائة باب، في كل باب مائة بيت من الشعر. يتحدث في الخمسين بابًا الأولى عن الهوى وأسبابه وأحواله العارضة وما يصيبه من الهجر والفراق وما يستجد من غلبة الشوق والإشفاق على المحبوب. وقد جعل الأبواب المنسوبة إلى الغزل أمثالاً وصاغها مرتبة على حال وقوعها حالاً بعد حال. ثم ختم ذلك بذكر الوفاء بعد الموت وكان من قبل قد استوفى ذكر الوفاء في الحياة وجعل لكل باب عنوانًا مسجوعًا اسْتَله من مثل يوحي بمضمونه مثل: في ذكر من كثرتْ لحظاته دامتْ حسراته، من تداوى بدائه لم يصل إلى شفائه.
وأما الخمسون بابًا الأخرى فمختارات من الشعر جعلها أبوابًا مثل: ما قيل في تعظيم الله، ما مُدح به النبي ³ وما استشهد به ومثل بين يديه، ونوح الأهل والأخوان على ما فقدوه من الشجعان. وهذا القسم ليست له صلة بموضوع العشق ولكنه مختارات شعرية تعرض لقضايا عامة كثيرة الدوران في الشعر العربي وتحفل بها كتب السمر والمختارات ويرد فيها أسماء الشعراء كامرئ القيس وأبي تمام والبحتري وجميل ومجنون ليلى وذي الرمة.
يصدر كتاب الزُهرة في جانبه الشعري عن نظرة الحب العذري وهو من أعمق الكتب التي صورت الحياة العاطفية في القرن الثالث الهجري. ومن ثم كان له أثر كبير في المؤلفات التي نهجت نهجه من بعده.
ويُعدّ كتاب الحدائق لابن فرج الجياني الأندلسي (ت366هـ، 976م) أول هذه الكتب التي تأثرت بكتاب الزُهرة. وهو مختارات من شعر الأندلسيين في مائتي باب يضم كل باب مائتي بيت، كلها لشعراء أندلسيين، وإن كان كتاب الحدائق لم يصل إلينا لسوء الحظ.
أما كتاب ابن حزم طوق الحمامة فلا يخلو من تأثير كتاب الزهرة وبين الكتابين قربى ونسب، فالمؤلفان يتبعان المذهب الظاهري وكلاهما كتب كتابه بطلب من شخص آخر وكلاهما دافع عن نفسه حين اتهمه معاصروه أن الكتابة في العشق أمر لا يليق بذوي الحزم والفضل. انظر: طوق الحمامة.
ومع ذلك فبين الكتابين كثير من نواحي الاختلاف؛ فابن داود يصدر عن محيط ديني خالص وابن حزم يستشهد بما رأى وسمع أو بما حدث له. وأما في الأبواب وإن اتفق العنوان بين الطوق والزهرة، إلا أن المعالجة تختلف بين الكتابين.
وقد جعل ابن حزم أكثر استشهاده بالقرآن والحديث وتحدث عن الكذب والفجور والغدر والنميمة منكرًا ذلك. وخصص بابًا لقبح المعصية وآخر لفضل التعفف على حين أن ابن داود لا يذكر آية قرآنية واحدة وإن استشهد بحديث واحد هو الأرواح جنود مجندة، وهو حديث ورد في طوق الحمامة كذلك.
يتفق ابن داود وابن حزم في عدد من القضايا المتعلقة بالعشق ولكنهما يختلفان في النّظرة إليها؛ فابن داود متأثر بالمعالجة المنطقية لكل قضية. أما ابن حزم فمتأثر بتجربته الذاتية أو تجارب معاصريه. وقد غلب الشعر على مادة كتاب الزهرة وقلّت فيه الأخبار وهي حكايات عن مشاهير العشاق أخذت طابعًا شعبيًا امتزجت فيه الحقيقة بالخيال؛ كأخبار مجنون ليلى وجميل بثينة وكُثير عَزة. أما طوق الحمامة فأخباره وقصصه من واقع معيش يصدر عن تجربة إنسانية في كل جوانبها، وشعره في معظمه لابن حزم نفسه أما شعر الزُهرة فلا ينتمي لعصر ابن داود وإنما إلى شعراء سبقوه بقرن أو قرنين من الزمان.
انظر أيضًا: العربي، الأدب؛ الفلسفة؛ الفلسفة الإسلامية؛ ابن حزم الأندلسي ؛ طوق الحمامة.