…روى لي أحدهم أن أرملة مات زوجها وتركها في ريعان شبابها بولدين وبنت ولم يترك لها من المال ما تسد به رمق عيشها وعيش أبنائها ، فلجأت الى التسول في الأسواق والدكاكين والمحلات التجارية ، أثوابها رثة والرجل حافية والوجه منها شاحب تعلوه آثار البؤس والشقاء ، يتبعها أبناؤها كالفراخ من حي الى حي ومن شارع الى شارع حفاة عراة فمن الناس من يحنو عليهم ويمنحهم ومنهم من لايكترث بهم ، هكذا كان دأبها لمدة سنتين ونصف ، وفي أحد الأيام وذات صباح كالعادة إستهلت عملها ببعض المحلات التجارية من عرب وغيرهم بمدينة تقرت ، وبينما هي تمد يدها أمام أحد الدكاكين وإذا بصاحب المحل ينهرها قائلا لها كلاما مسيئا جرح كرامتها وشرفها ، فانصرفت باكية دموعها تبلل خدودها وتتنهد تنهيدا أحدث ذلك أزيزا في صدرها لايكاد يخفى عن ذي لب وكان بجانب ذلك المحل محلا آخر لتاجر يهودي فنادها فلم تكترث به ولم تجبه ، عاود النداء مرة ثانية وأصرعلى أن ترجع إليه ، ففعلت وأقبلت وقال لها ما يبكيك يا مسلمة ؟ فسكتت ولم تبد شيئا ، قال لها إني سمعت ما دار بينك وبين التاجر جاري ، لماذا لم تطلبي المعونة من غير العرب ؟ فقالت هم أولى بفقرائهم من غيرهم ، فنادى التاجر اليهودي : يا حمال ، يا حمال…. جاء أحد الحمالين بعربته يجرها فوضع التاجر فيها كما هائلا من المواد الغذائية…. ما يكفي لحوالي مدة شهر وكلف أحد الخياطين بأن يخيط لها ولأولادها ما يكسيهم….ثم أمرها بالإنصراف رفقة العربة الى حيث تقيم….ففرحت وفرح أولادها وباتوا ليتهم تلك في أرغد عيش فرحين ، ولما نام اليهودي ليلته تلك رأى في منامه الرسول محمد صلاواة الله وسلامه عليه فشكره ودعا له….لم يتمالك ذلك اليهودي نفسه من الفرح لما رأى فبكى من شدة الفرح وقال : أمثلي يرى محمدا ففرح وأسلم على يده ….فاستيقظ باكرا وتوضأ وقصد أحد مساجد الحي وأخبر الإمام بما رأى ففرح به وطلب منه أن يلفض قول الشهادة أمام الحضور من المصلين ففعل وصلى صلاة الفجر مع المصلين… فاستضافهم الى منزله وأكرمهم ومن ذلك الوقت أصبح مسلما….ولقد ندم التاجر العربي وراح الى اليهودي يريد تسديد قيمة ما أخذته الأرملة المسلمة عل الله يغفر له زلته ، فقال له اليهودي أنا ما بعت لها شيئابل أعطيتها ما أعطيتها بالمجان وبدون مقابل ….فقال العربي تقبل مني قيمة ما أخذت منك ، فقال اليهودي لالالا أبيع آجلي بعاجلي سامحني يا أخي…فقال العربي : لا تقل أخي ، فأنت يهودي وأنا عربي ، فقال اليهودي أنا أصبحت أخا لك في الإسلام رغم أنفك ، فالإسلام لا يعترف بالحدود ولا بالأجناس ، أنصحك بأن تروح للأرملة وتطيب خاطرها بما جادت به نفسك وتطلب منها المعذرة لتسامحك قبل موتك…ولا أزيدك فوق هذا…وإن لم تفعل فهذا فراق بيني وبينك..فأنت ذنبك عظيم ، لا تنس بأنك أبكيت الأيتام والأرملة .