عولمة الثقافية رؤية تربوية إسلامية

دراسة قدمها كل من د. وليد احمد مساعدة ود. عماد عبد الله الشريفين

قسم الدراسات الإسلامية، كلية الشريعة

جامعة اليرموك - اربد- الأردن

مجلة الجامعة الإسلامية (سلسلة الدراسات الإسلامية)

مقدمة

استهدفت هذه الدراسة التي قدمها الباحثان بيان الآثار الايجابية والسلبية للعولمة الثقافية على مجتمعاتنا الإسلامية ، وكيفية سبل التعامل معها للحد من تأثيراتها السلبية والاستفادة من آثارها الايجابية .

واستخدم الباحثان في الدراسة المنهجين الوصفي والاستنباطي التحليلي في معالجة موضوعات البحث , وتوصلا فيها إلى أن العولمة الثقافية تؤثر سلبا أكثر مما تؤثر إيجابا , ومن هذه التأثيرات السلبية التي رصدها الباحثان :

- التأثير في الهوية الإسلامية للأمة

- تغييب مفهوم التوحيد

- عولمة مفهوم الأسرة

- تشويه اللغة العربية

- المساس بالحضارات الإنسانية وغير ذلك من السلبيات

وقسما الباحثان دراستهما إلى ثلاثة مباحث ينقسم بعضها إلى عدة مطالب ثم خاتمة فيها خلاصة لأهم النتائج التي تم التوصل إليها .

المبحث الأول: مفاهيم البحث .

المطلب الأول : مفهوم العولمة.

ذكر الباحثان أن مصطلح العولمة هو من اشد المصطلحات غموضا فلم يبرز على سطح المجتمع العالمي تيار فكري أو اقتصادي أو مصطلح علمي أو

إنساني آثار الحيرة والقلق مثلما فعل " مصطلح العولمة " وقالا انه مصطلح شاع بسرعة جدا وهو لفظ يحتمل عدة معان متضاربة فقد يعني كل شيء وقد لا يعني شيئا بعينه .

ثم ذكرا بعض تعريفات للعولمة مثل تعريف هورشمان ومارشال ثم تعريفات لكتاب عرب , ثم ذكرا بعض أسباب الخلاف في التعريف وأرجعاه بداية لاختلاف البيئة الثقافية للمعرف ولكون العولمة مفهوما أو ظاهرة ذات أبعاد عديدة منا السياسي والثقافي والاجتماعي

ثم فرقا بين مصطلحي العولمة والعالمية فقالا إن العالمية صفة تميزت بها رسالة الإسلام , وتعني الانفتاح على العالم مع الاحتفاظ بالخصوصية أما العولمة

فهي نفي الآخر واختراقه ثقافيا واقتصاديا ومحاولة فرض ثقافة واحدة عليه .

المطلب الثاني : مفهوم الثقافة.

فذكرا أيضا عدة تعريفات للثقافة تتفق في مضمونها ولا تختلف إلا في بعض أوجه التعبير عنها , فذكرا مثلا أن الثقافة هي المحتوى الإنساني للحضارة من علوم

وفنون وعلاقات وتصورات وقيم وتشمل كافة جوانب الحياة .

وقالا إن الثقافة لها مكونان أساسيان :

المكونات المعنوية : مثل العقيدة والأخلاق والأعراف والقيم واللغة

المكونات المادية : مثل ما أبدعه الإنسان من أدوات ومعدات ووسائل وأساليب تعينه على التكيف مع البيئة المحيطة

المطلب الثالث : مفهوم العولمة الثقافية

إن أخطر تعريف لمفهوم العولمة الثقافية ما عرفه المؤرخ الأمريكي " رونالد ستيل " إلى أن الثقافة التي يراد لها أن تسود العالم في زمن العولمة هي ثقافة أفلام الحركة والعنف والجريمة والجنس .

ونقلا عن محمد شعبان بأنها الدكتاتورية بعينها، وأنها تسلط فكري وحضاري ينادي بطمس الآخر وإقصاء ثقافته لتبقى ثقافة واحدة هي الثقافة الأمريكية .

ثم يسال الباحثان سؤالا : هل من الممكن توحيد البيئة الثقافية العالمية ؟

فيجيبان بالاستحالة من وجوه كثيرة يفصلانها في البحث

المبحث الثاني : آثار العولمة الثقافية من منظور تربوي إسلامي .

قبل أن يدخل الباحثان في هذا الفصل ينبهان إلى أن الدول الأوروبية باتت تشكو وتستشعر الخطر من العولمة الثقافية الأمريكية , ويضربان المثل بفرنسا التي أصدرت تشريعات وقائية للحد من تأثير العولمة الثقافية على ثقافتها المحلية , وهذه كندا التي باتت تصرخ من العولمة الثقافية الأمريكية على لسان احد المربين فيها فيقول أحد خبرائهم " إن الأطفال الكنديين لا يدركون أنهم كنديون

لكثرة البرامج الأمريكية "

المطلب الأول: الآثار السلبية للعولمة الثقافية من منظور تربوي إسلامي

لخص الباحثان عددا من الآثار السلبية فيما يلي :

- العدوان على الهوية الثقافية الإسلامية للأمة : فالذي لم تفلح فيه الحروب الصليبية والغزوات الاستعمارية والهجمة الصهيونية على مدار قرون أضحى اليوم هدفا قريبا بسبب هذا الغزو الجديد .

- انحسار الثقافة المكتوبة وانتشار ثقافة الصورة : فقل الاهتمام بالقراءة ولذا قلت جودة الكتابة لوجود ثقافة أيسر على الشباب والنشء لتربيتهم ثقافيا وهي ثقافة الصورة المريحة والتي تجعلهم صيدا سهلا لهذا الغزو .

- التأثير في اللغة العربية : بسيطرة لغة جديدة وهي اللغة الانجليزية لتكون لغة الثقافة بين الشباب , فالعولمة تسعى إلى تهميش كل اللغات , ولغتنا العربية هي عنوان حضارتنا , والقضاء عليها قضاء على العروبة والإسلام معا .

- عولمة الأسرة : فالعولمة الثقافية تستهدف تفكيك الأسرة لكي تفقدها قدرتها على الاستمرار كمرجعية قيمية وأخلاقية للناشئة , ومن أخطر ما تدعو إليه وتقلل من مدى الإحساس بتجريمه نشر مفاهيم مثل الجنس خارج إطار الزوجية والتقليل من جريمة تبادل الزوجات أو طرح أفكار الحرية الجنسية للمرأة أو غيرها من الأفكار التي تحاول هدم نظام الأسرة بالكلية .

- التأثير في تطور الحضارات وتذويب بعضها
فكما يقول الباحثان أن العولمة الثقافية تهدف إلى تذويب وقتل الحضارات التي تحمل قيما مضادة لقيم الحضارة الغربية وبوجه خاص الحضارة الإسلامية , واستشهدا بما طرحه الكاتب الأمريكي " صموئيل هانتجتون"، بأن التذويب يكون تحت شعار إزالة الحواجز بين الشعوب، وهذا يدل على هدف أعمق من الحضارة ألا وهو القضاء على الإسلام .

- التأثير في العملية التربوية بكاملها
مثل إخضاع النظم التربوية التعليمية لشروطها وهيمنتها ، وفرض أفكارها وفلسفاتها التربوية لتوصل الثقافات الأخرى لتناقضات بين الأصالة والمعاصرة وتتسبب في إحداث صراع داخلي مفاهيمي بين أفرادها

المطلب الثاني: الآثار الايجابية للعولمة الثقافية من منظور تربوي إسلامي

أنصف الباحثان بذكر بعض الايجابيات في العولمة الثقافية إلا أنها لم تكن تلك الايجابيات داخلها وإنما كنوع من استشعار الخطر والتمسك بقيمنا والبحث عن هويتنا وتأكيدها , فذكر على سبيل المثال :

- بروز الحاجة إلى المرجع الذي نستطيع من خلاله تقويم أوضاعنا : وهو المنهج الرباني المتمثل في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .

- أهمية الحوار بين أفراد الأمة المسلمة وجماعاتها .

- أهمية الاعتراف بالخطأ وممارسة النقد الذاتي .

المبحث الثالث: سبل التعامل مع العولمة الثقافية من منظور تربوي إسلامي

ذكر الباحثان أن علينا القيام بخطوات أو الانطلاق من مرتكزات عديدة حتى نحد من تأثيرات العولمة الثقافية ومنها :

- الثقة بالنفس وبالمنهج والميراث الثقافي والقيمي قاعدة آمنة في التعامل مع العولمة الثقافية

- وضع إستراتيجية ثقافية إسلامية للأمة تتحرك باتجاهين متكاملين يسيران جنبا إلى جنب , أولهما باتجاه وحدة ثقافية للمسلمين والثاني باتجاه ثبات كيفية التعامل مع الآخر .

- إبراز عالمية الإسلام وإنسانيته , فلابد من إحياء عالمية الإسلام في نفوس أبنائه أولا ومن ثم نقلها إلى الناس , فالإسلام لا يلغي الآخر بل يحاوره للوصول إلى الحق و الصواب . وكذلك يجب إبراز ذلك المفهوم للكافة أن الإسلام يقر التنوع الثقافي ولا يصطدم به ولا يلغيه فيقبل منه ويرفض .

- تركيز الاهتمام بمؤسسة الأسرة والاهتمام بكل عناصرها ومشكلاتها والوقوف صفا واحد ضد من يحاولون هدمها أو إضعاف تأثيرها .

- الحد من التلوث الثقافي والإعلامي الموجه للأمة الإسلامية بمتابعة ما يلقى على أبنائنا في وسائلنا الإعلامية للصغار وللكبار على حد سواء ولا ننتظر وقوع الكارثة ثم نبدأ في العلاج فالوقاية أهم وأنجع .

- تحديد الخصوصيات الثقافية للأمة الإسلامية الممثلة في الهوية العربية الإسلامية والخصوصية الدينية في الإسلام كمنبع أول وأساسي للثقافة والحضارة الإسلامية

- العمل على تعديل المناهج الدراسية لترك الطريقة القديمة في الحفظ والاستظهار , ولهذا لابد للمناهج الدراسية في عصر العولمة الثقافية أن تزود الطالب و المعلم بمجموعة من المهارات لا لكونه من متطلبات العولمة الثقافية بل هو لمجابهتها

- إعادة النظر في الأهداف التربوية

- إعادة النظر في عمل الإدارة المدرسية

- تعزيز الهوية وتعميق الانتماء للأمة الإسلامية

- تجنب الرفض أو القبول المجاني والاستفادة من الفرص التي تتيحها العولمة

الخاتمة:

وفيها لخص الباحثان ما توصلا إليه من نتائج في بحثهما مثل :

- تعدد المفاهيم المطروحة للعولمة

- الثقافة تشمل مكونات معنوية ومكونات مادية

- للعولمة الثقافية آثار سلبية

- للعولمة الثقافية آثار ايجابية أيضا

- التعامل مع العولمة الثقافية ينبغي أن ينطلق من عدة مرتكزات