السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..
....بأقصى الجنوب الجزائري وخلال السنة الدراسية : 1971/1972/م ، تم تعيين جل المتخرجين من المعلمين برتبة مساعدين متربصين بكل من دار المعلمين الأغواط وورقلة قسريا لا عن طواعية في إطار خدمة الوطن وذلك لمدة سنتين لكل معين وبعدها يعود المعلم بالقرب من إقامته إن كان محظوظا....
ولقد تم تعيين مجموعة من المعلمين في إحدى قرى عين صالح - تيط أو اقبلي - حيث المباني كلها حمراء بلون طيني ولا ماء إلا من - الفوقارات - ولا كهرباء إلا من الفوانيس التي تشتغل بالغاز السائل .... لا فواكه ولا خضر....ولا لحوم إلا اللحوم الجافة المستوردة من السودان في إطار التبادل التجاري ...اما المرافق العمومية فتكاد تكون معدومة وليس للمعلم المعين هناك غير زملائه أو ملفات - مالك وزينة - وتحضير الدروس وتبادل الخبرات والمعارف وكان الحر شديدا طوال السنة الدراسية وحصوصا في بداية الموسم الدراسي مما يجعل الحمير تصاب بالرعاف إبتداء من الساعة التاسعة صباحا اما البشر فلا تسأل....يعتمد أهل هذه الجهات في معيشتهم على ما تنتجه أراضيهم من حبوب كالقمح والشعير والتمور والعدس والبصل والثوم والطماطم.....وكلهم يعملون نساء ورجالا في الحقول الفلاحية غير أن السكان هناك طبقات منهم :
- الأشراف
- الأجواد
- العرب
- العبيد
- الحراطين
وللوصول الى تلك المناطق البعيدة يجب إستعمال الخطوط الجوية إنطلاقا من مدينة غرداية الى مدينة عين صالح عبر الفوكير....
أما المعلمون فليس لهم نادي يجتمعون فيه غير أنهم إهتدوا الى خزان القرية المائي الذي إنتهت الأشغال به واستعمل ودائما هو عطل وتعطلات وأحيانا يبقى مهجورا ، فاستعله المعلمون واتخذوا منه ناديا لتجمعاتهم في حلقات فمنهم من يسمر مع زينة ومالك ومذكراته ومنهم من يلعب لعبة الدامة ومنهم من يلعب لعبة الشكبة...هذا الخزان منجز فوق ربوة مطلة على النسيج العمراني وغابات النخيل والكثبان الرملية والتي تتخللها ابار الفقارات المصطفة كانها تبانة في كبد السماء خصوصا أثناء الأصيل وقبيل مغادرة المعلمين ناديهم ...
وذات يوم قال لي أحد المعلمين والذي ختم مساره التعليمي برتبة مدير رحمه الله السيد - ط . ت - بينما كان هو وزملاؤه في النادي الترفيهي التربوي المطل على النسيج العمراني بقرية - طيط - وكان اليوم حارا ومن فضل الله تعالى ونعمته على اهل التعليم أن صعد الماء الى الخزان لكن بكميات قليلة....فقال أحدهم : الحمد لله لقد ذهب الضمأ وابتلت العروق....ونادى آخر أحموا مالك وزينة من الماء...وقال آخر هيا بنا نهبط ونغادر النادي وقال آخر توضؤوا والزموا أماكنكم لتصبحوا طاهرين ولا يضر المواطين الماء الذي مكثتم به...واستقر الأمر في النهاية على البقاء وواصل المعلمون سمرهم ومحادثاتهم وفجأة رفع أحدهم يديه الى الساء ويشير بسبابة يده اليمنى كأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة ولا أحد فهم ما يعنيه طالب الإستغاثة غير أنه كان جالسا على فوهة أنبوب الماء الذي يخرج من الخزان الى المواطنين وبالضغط العالي كان يمتص بقوة مؤخرة الجالس بحيث إنقطعت أنفاسه وخرج جهازه الهظمي من أسفله بكامله من المريء الى المستقيم وبقي يمتص المزيد ومن حسن الحظ أن أحد المعلمين تفطن الى ذلك وبدأ يجرك الهالك لكن دون جدوى لكون الضغط أصبح عالي جدا وتعاون نفر من المعلمين لتحريك الهالك وعندها وبفعل الضغط العكسي إنفلت المعلم وبفعل عملية الطرد المركزي قذفه الخزان الى الخارج كأنه نيزك منطلق من السبع السمواوات الطباق ولحسن حظه لم يتعرض للعطب وبعدها أحدث ذلك الأنبوب الضخم صوتا عاليا مزعجا كزمجرة الأسد وكأنه يريد المزيد ولم يكتف بالجهاز الهظمي الذي إبتلعه...فابتلع أيظا مالك وزينة وكل المذكرات والمستلزمات....وصل الخبر الى السلطات المحلية بعين صالح والتي بدروها أخطرت السيد الوالي الذي إتصل هو الآخر بدوره بالقيادة العسكرية الناحية الرابعة التي ارسلت طائرة خاصة نقلت المصاب من مدينة عين صالح رفقة جهازه الهظمي الى المستشفى العسكري - بعين النعجة - الجزائر العاصمة وفعلا وبغضل الطب المتطورفي بلدنا تمت إعادة الجهاز الهظمي الى الجذع على إثر عميلة جد معقدة دامت 48 ساعة كاملة والحمد لله ....هذه قصة من الواقع المعيش نقلتها الى حضراتكم.
كتبها المدون : تيجاني سليمان موهوبي .
mouhoubi51blogspot.com