-------------
تتنوع الصفات الحميدة لدى شرفاء الناس، وتختلف خلال البر التي يوصف بها الكبار، ولكن تبقى صفات التواضع ولين الجانب وخفة الظل والبساطة من أميز ما يتجمّل بها كرام الناس من ذوي المعادن الطيبة، ألست تسمع عبارات المديح من شخص قابل ذا وجاهة أو منصب أو علم فيقول: لقد كان بسيطاً في تعامله متواضعاً في هيئته، هذه الصفة الرشيقة من صفات ذوي النفوس العلية لا يهبها الله تعالى إلا لمن شاء أن يكون محبوباً لدى خلقه، مجيداً في قومه، رفيعاً في حياته .
البساطة فرع عن خلق التواضع، وهي أمارة على سمو النفس وصفاء الفؤاد وحيوية الضمير والعلو عن دناءات الكبر والغرور والأنفة، البساطة لطف في الكلام وبشاشة على المحيا ورقيٌ في التعامل، وخفض الجناح للكبير والصغير، وجمال داخلي ينعكس على سلوك الإنسان وتصرفاته ونظرته للآخرين، البساطة تواضع مع امتلاك، وتيسير مع قدرة، وتنزلٌ مع رفعة، وإظهار للذات بطبيعتها مع ما أُوتيت من قوة ونفوذ، تلك هي بعض علامات هذا الخلق النبيل الذي من أوتيه فقد أوتي خيراً كثيراً .
حين نتعامل مع الناس تتبدّى لنا أخلاق كثيرة لا تسمو بأصحابها، ولا ترفع رؤسهم؛ بل يصبحون مذمومين منبوذين بها، ترفضهم القلوب والطبائع السوية، وتكرههم النفوس الرضية، منشأ هذه الأخلاق إذا تتبعناها تكمن في سَوْرة كِبر مغروسة، أو صفة غرور وأنفة لم ينتبه لها صاحبها، حتى أصبح عسيراً غليظاً تتناوشه سلوكيات المتكبرين وأخلاقهم .
في تعاملاتنا الشخصية نقابل كل يوم عشرات الأشخاص ونلتقي عشرات الأفراد من مختلف الفئات والطبقات، ونحضر عشرات المناسبات، وفي كل هذه اللقاءات والمناسبات ينتاب الواحد منا شعور فياض تجاه بعض الشخصيات، يصل هذا الشعور تدريجياً لحد الحب والإعجاب، لو فتشنا عن سر هذه "الكارزما" وسر هذا التألق في هذه الشخصية المحبوبة لوجدناها غالباً في البساطة وترك التكلف، إن الشخصية الصارمة أو التي تتعامل بشيء من "الرسمية" كثيراً ما تفقد علاقاتها الطيبة مع الآخرين وغالباً ما يأخذ الناس عنها انطباعاً سلبياً من أول لقاء بل من أول نظرة.
لاحظوا كيف كانت البساطة متمثلة في أبهى صورها في من ملك زمام الأخلاق الفاضلة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي صلوات ربي وسلامه عليه كان يأكل كما يأكل العبد ويجلس كما يجلس العبد، وتقول عنه عائشة رضي الله عنها: يكون في خدمة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة ، وتقول أيضاً: كان بشرًا من البشر، ينظف ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه، وكان يركب الحمار، وهي وسيلة نقل عادية في ذلك الزمان، ليس هذا فحسب، بل كان يحمل خلفه على دابته، من كان لا يملك وسيلة نقل تنقله . وكان يجلس مع أصحابه كواحد منهم، ولم يكن يجلس مجلسًا يميزه عمن حوله، حتى إن الغريب الذي لا يعرفه، إذا دخل مجلسًا هو فيه، لم يستطع أن يفرّق بينه وبين أصحابه، فكان يسأل: أيكم محمد ؟ . ولم يكن يرى عيبًا في نفسه أن يمشي مع العبد، والأرملة، والجارية، والمسكين، يواسيهم ويساعدهم في قضاء حوائجهم. بل فوق هذا، كان عليه الصلاة والسلام إذا مرّ على الصبيان والصغار سلّم عليهم، وداعبهم بكلمة طيبة، أو لاطفهم بلمسة حانية. أرأيتم كيف كان قدوتنا بسيطاً في تعامله؟! بسيطاً في هيئته، بسيطاً حتى في أكله وشربه وبيته ومعاشرته لأهله، فكم نحن بحاجة إلى هذه الصفة الجامعة لأخلاق التواضع في زمن التباهي والتعالي.
----------
* صلاح عبدالشكور