بسم الله الرحمـــن الرحيـــم
3 ) الرسالة الثالثة : " أحب الأعمال إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ":
الله تعالى بحكته ورحمته لم يكلف الناس من العبادات والطاعات والتشريعات ما لا يطيقون , بل كلفهم بما يستطيعونه ويقدرون عليه , قال تعالى : " لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ (286) عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ؛ أنَهَا قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أحَبُّ إلى اللَّهِ ؟ قَالَ : أدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ . وَقَالَ : اكْلُفُوا مِنَ الأعمال مَا تُطِيقُونَ. أخرجه أحمد 6/176 والبخاري 8/122 و"مسلم" 2/189.
إن الكثير منا ليشعر بالتقصير ويؤنبه ضميره دائما لتقصيره في العبادات والتقرب من الله الطاعات فتأتيه مشاعر صادقة بعد موجة الندم تلك فنجده قد التزم بالأعمال الصالحة الكثيرة , فهو قد ألزم نفسه بالصوم المتواصل والقيام الدائم والذكر الكثير , حتى إنه يملاْ أيامه الأولى كلها بتلك الأعمال الصالحة ،،ولكنه وللأسف ما إن يمضي بعض الوقت إلا ونجده قد خفت همته وبدأ حماسه يقل ,وهذه آفة قد تعتري البعض منا ,, فما يأتي فجأة يذهب فجأة كما قيل،وهنا يقال لا ينبغي لمن كان يعمل صالحاً أن يتركه؛وليحرص على مداومته لتلك الأعمال الصالحة ولو كانت تلك الأعمال قليلة , فقليل دائم خير من كثير منقطع .
عن عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، قَالَ:قَالَ لِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : يَا عَبْدَ اللهِ ، لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلاَنٍ ، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ ، فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ. ( متفق عليه ) .
إن المسلم الحق هو الذي يستغل مواسم الطاعات , وفترات إقبال العبادات , قال تعالى : " وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) سورة إبراهيم .
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، قَالَ : قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : الْتَمِسُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ كُلَّهُ ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللهِ ، فَإِنَّ لِلَّهِ نفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ وَيُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ. قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 4 / 511 :رواه الطبراني في " الكبير " ( رقم - 720 ) .
فالإيمان يزيد وينقص , يزيد بالطاعات وينتقص بالمعاصي والسيئات , فلا يمكن لٌيمان أن يسير على وتيرة واحدة بل لا بد من الزيادة والنقصان , عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو . قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رِجَالٌ ، يَجْتَهِدُونَ فِي الْعِبَادَةِ اجْتِهَادًا شَدِيدًا . فَقَالَ : تِلْكَ ضَرَاوَةُ الإِسْلاَمِ وَشِرَّتُهُ ، وَلكُلِّ ضَرَاوَةٍ شِرَّةٌ ، وَلكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى اقْتِصَادٍ وَسُنَّةٍ ، فَلأُمٍّ مَا هُوَ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى الْمَعَاصِي ، فَذَلِكَ الْهَالِكُ.أخرجه أحمد2/165(6539).
والعاقل هو من يستغل فترة زيادة الإيمان , كان علي رضي الله عنه يقول : " إن للقلوب إقبالا وإدبارا ، فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل ، وإذا أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض .
والمداومة على الخير وإن كان قليلاً أفضل عند الله تعالى من تركه بالكلية , فلرب شق تمرة تنقذ صاحبها من غضب الجبار , ومن دخول النار , عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ، قَالَ:مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ ، فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ ، فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ، فَاتَّقُوا النَّارَ ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ.أخرجه "البُخَارِي"8/14(6023) و"مسلم" 3/86(2312) .
أيها الحبيب , لربما يوفق الله تعالى عبداً من خلقه إلى عمل من أعمال الخير يداوم عليه , ثم يقبضه وهو مقيم على هذا العمل الصالح فيدخل به الجنة , عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ ، قِيلَ : وَمَا اسْتَعْمَلُهُ ؟ قَالَ : يُفْتَحُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ ، حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ مَنْ حَوْلَهُ. أخرجه أحمد 5/224(22295) . وعَبْد بن حُمَيْد (481).
وأخيراً – أيها الغالي الحبيب - قل لنفسك :
لا تقل من أين ابدأ؟ * * * طاعة الله البداية
لا تقل أين طريقي؟ * * * شرعة الله الهداية
لا تقل أين نعيمي؟ * * * جنة الله الكفاية
لا تقل في الغد ابدأ * * * ربما تأتي النهاية
اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي وغمي , اللهم أعنا على ذكرك وشكرك , وحسن عبادتك .
ـــــة