لا شك أن التربية في مرحلة الطفولة ضرورية لإرساء قواعد الأخلاق والقيم بصفة عامة، وتعويد الصغار عليها، يقول أرسطو: "إذا كان من اللازم… ليصير المرء فاضلاً يوماً ما: أن تكون قد أحسنت تربيته في البداية، وأن يكون قد اعتاد عادات حساناً"، فالشباب من الجنسين يتأثرون بالمعايير الخلقية التي تلقوها في الطفولة، ويميلون إلى الالتزام بها، ويشعرون بالحرج إذا خالفوها، إلا أن هذه المعايير الخلقية لا يمكن أن تكون كافية تماماً لإعدادهم للقيام بالمهام المطلوبة منهم في السنوات اللاحقة؛ لأن من بدهيات مفاهيم التربية: أنها عملية مستمرة دائمة، مرتبطة بالفرد الإنساني عبر حياته كلها، لا تختص بمرحلة دون أخرى، فكما أن التربية التي لم تبدأ منذ الطفولة لا تتحقق أهدافها بصورة جيدة، فكذلك التربية التي لا امتداد لها في مرحلة الشباب لن تحقق –هي الأخرى- أهدافها بصورة حسنة.
ولقد أصبحت سنوات طفولة الإنسان المعاصر أطول من ذي قبل، فقد تصل في بعض المجتمعات إلى الثلاثين أو أكثر، يحيا فيها الشاب معتمداً على أسرته، بسبب تعقيد الحياة الصناعية، وزيادة طرائق المجتمع ووسائله في مواجهة مطالب الحياة، مما يزيد من مهام الأسرة وأعبائها، ويؤكد دورها في مرحلة الشباب، وأهميتها في ترسيخ المفاهيم الخلقية الصحيحة لدى النشء، وتهيئة الأجواء الأسرية التربوية لممارستها وتنميتها بصورة أعمق وأوسع، وعدم الاكتفاء بالتلقين السابق في مرحلة الطفولة، أو الاعتماد على دور المدرسة، فإن "الأسرة وحدها… هي المدرسة التي تكون الخلق الكامل"، مما يؤكد دور الأسرة التربوي، رغم الهجمة الشرسة التي تواجه نظام الأسرة، من خلال مؤتمرات دولية تسعى إلى تقويض بنائها، وتحطيم كيانها.
ولقد أكد كثير من الدراسات: أن غالب الجانحين يأتون من بيوت مفككة، وأن هناك علاقة واضحة بين الوضع العائلي المضطرب وجنوح الأحداث، فالشباب لا يتكلفون من تلقاء أنفسهم الأزمات والمشكلات، إنما يعكسون بسلوكهم تأثير البيئة الاجتماعية من حولهم، فليست مرحلة البلوغ بالضرورة مرحلة عواصف واضطرابات نفسية، فليس هناك علاقة بين البلوغ والانحراف، إنما تنشأ العلاقة بينهما عندما تفقد البيئة دورها التربوي، فتهيء للبالغين المندفعين أسباب الانحراف، ومن هنا كان دور الأسرة مهماً؛ إذ تُشكِّل عنصراً أساساً وفعَّالاً في ضبط سلوك الشباب وتوجيههم.