19/10/1431 الموافق 27/09/2010
بقلم د.خالدالغيث
عضو هيئةالتدريس بجامعة أم لقرىقسم التاريخ والحضارةالإسلامية
الحمد لله العزيز الحكيم والصلاة والسلام على الصادقالأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فقد كثر الحديث عن مسلسلالقعقاع بن عمرو التميمي ، سلباً وإيجاباً ، في شهر رمضان المبارك ، مما دعاني بحكمالتخصص، لمشاهدة جميع حلقات المسلسل وهي (32 حلقة) للحكمعليه ، مع ما لشهر رمضان من الخصوصية ، ولكن للضرورة حكمها ، هذا وقد وقفت على جملةمن الأخطاء في مسلسل القعقاع ، تطلبت مني إصدار بيان علمي بخصوصه ، نصحاً للأمة ،وإبراءً للذمة - وقد أرفقت به ملحقاً عن(البعدالتبشيري للدراما الإيرانية)للمفكر البحريني د.عادل عبدالله - وفي ما يلي بيان بعض من أخطاء المسلسل :
القسم الأول : المخالفات الشرعية العامة :
أولاً : تمثيل شخص أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، بجوار والدها الصديق ، رضي الله عنه ، وهو يحتضر على فراشه ، وحديثها معه [ ح 9 ، 10 ] .
وكذلك إظهار من يمثل شخوص الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم ، في جميع حلقات المسلسل.
ثانياً :ظهور أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، والخلفاء الراشدين ، بسمت ، وهيئة ، وحال ، من بنات أفكار المخرج ، وهذا يعد رجماً بالغيب ، والله سبحانه وتعالى يقول : (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء -36-
ثالثاً :عندما خلت المدينة من الجند ، بعد خروج بعث أسامة بن زيد رضي الله عنهما ، إلى الشام ، وترصد الأعراب ، خارج المدينة بالمسلمين ، يأتي المشهد داخل المدينة ليظهر حواراً بين رجلين ، عن خطورة الوضع ، حيث يقول أحدهما مطمئناً الآخر : ( الأقدار تساندنا ... ! ) [ ح 5 ] .
رابعاً :وجود العنصر النسائي في المسلسل ، بهيئة ، وسمت ، بعيدين كل البعد عن حال المرأة المسلمة ، في عصر الرسالة ، وعصر الخلفاء الراشدين .
خامساً : وجود الموسيقى في المسلسل ، مع إن البديل الصوتي أثبت نجاحه في العديد من الأعمال .
سادساً :أكل بعض الممثلين باليد اليسرى ، وكأن المسلسل يحكي سيرة شخصية أوروبية ، أو أمريكية ، وليس سيرة علم من أعلام المسلمين .
القسم الثاني : البعد الرافضي في المسلسل :
أولاً : عندما قرأ الراوي خطبة حجة الوداع ، وذكر تحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمته من الربا ، تجاهل الراوي تصريح رسول الله بوضع ربا عمه العباس ، في الجاهلية.[ ح 2]
مع إن رسول الله قد نص على وضع ربا العباس ، وذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أمر بأمر أو نهى بنهي كان أول الممتثلين على خاصة نفسه وأهل بيته وعشيرته ، قال تعالى :(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الأحزاب – 21 -
هذا وجه ، ووجه آخر لكي لا يستدرك عليه مستدرك ، أو يقول قائل : وماذا عن ربا عمك العباس !
ثانياً : الإصرار على بتر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، المتعلق بفضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه : (أنت مني بمنزلة هارون من موسى ... ) [ ح 17 ، 31 ] .
وفي هذا البتر المتعمد ، محاولة قديمة متجددة ، للتأسيس لعقيدة الوصي ، كما تزعم الرافضة ، أي أن علياً رضي الله عنه وصي رسول الله وأحق الناس بخلافته .
في حين أن النص الكامل للشاهد في الحديث : (أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي ) صحيح مسلم
وهذا القيد ، والتنبيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ( إلا أنه لا نبي بعدي ) جاء لحسم مادة الغلو بسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث : (قال القاضي : هذا الحديث مما تعلقت به الروافض والإمامية وسائر فرق الشيعة في أن الخلافة كانت حقا لعلي ، وأنه وصى له بها . قال : ثم اختلف هؤلاء فكفرت الروافض سائر الصحابة في تقديمهم غيره ، وزاد بعضهم فكفر علياً لأنه لم يقم في طلب حقه بزعمهم . وهؤلاء أسخف مذهبا وأفسد عقلا من أن يرد قولهم أو يناظر .
وقال القاضي : ولا شك في كفر من قال هذا ؛ لأن من كفر الأمة كلها والصدر الأول فقد أبطل نقل الشريعة وهدم الإسلام ..) شرح صحيح مسلم 15 / 174 .
وعن شرح هذا الحديث يقول الإمام بدر الدين العيني رحمه الله : ( ومعناه أنت متصل بي ، ونازل مني منزلة هارون من موسى ، وفيه تشبيه ، ووجه التشبيه مبهم ، وبينه بقوله : إلا أنه لا نبي بعدي ، يعني أن اتصاله ليس من جهة النبوة ، فبقي الاتصال من جهة الخلافة ، لأنها تلي النبوة في المرتبة ، ثم إنها إما أن تكون في حياته أو بعد مماته ، فخرج بعد مماته ، لأن هارون مات قبل موسى عليهما السلام ، فتبين أن يكون في حياته عند مسيره إلى غزوة تبوك ، لأن هذا القول من النبي كان مخرجه إلى غزوة تبوك، وقد خلف علياً على أهله وأمره بالإقامة فيهم ) عمدة القارئ شرح صحيح البخاري 24 / 331 .
وعن هذا الحديث أيضاً يقول الإمام القرطبي رحمه الله : (فلا خلاف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد بمنزلة هارون من موسى الخلافة بعده ، ولا خلاف أن هارون مات قبل موسى عليهما السلام ، وما كان خليفة بعده ، وإنما كان الخليفة يوشع بن نون ، فلو أراد بقوله : "أنت مني بمنزلة هارون من موسى" الخلافة ، لقال : أنت مني بمنزلة يوشع من موسى ، فلما لم يقل هذا ، دل على أنه لم يرد هذا ، وإنما أراد أني استخلفتك على أهلي في حياتي وغيبوبتي عن أهلي ، كما كان هارون خليفة موسى على قومه لما خرج إلى مناجاة ربه) الجامع لأحكام القرآن 1 / 267 .
ثالثاً : التنقص من موقف الصحابة الذين اعتزلوا الفتنة ، في أثناء حوار القعقاع بن عمرو مع أسرته [ح 27] .
وعن بطلان هذا الزعم يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله ، عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أنه : (كان يقول ليالي صفين : يا حسن ، يا حسن ، ما ظن أبوك أن الأمر يبلغ هذا ، لله در مقام قامه سعد بن مالك [بن أبي وقاص] ، وعبد الله بن عمر ، إن كان برا ، إن أجره لعظيم ، وإن كان إثما إن خطره ليسير ... وتواتر عنه أنه .. ما كان يظن أن الأمر يبلغ ما بلغ ، وكان الحسن من رأيه ترك القتال ، وقد جاء النص الصحيح بتصويب الحسن ، وفي البخاري عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ))
فمدح الحسن ، على الإصلاح بين الطائفتين ، وسائر الأحاديث الصحيحة ، تدل على أن القعود عن القتال ، والإمساك عن الفتنة ، كان أحب إلى الله ورسوله . هذا قول أئمة السنة ، وأكثر أئمة الإسلام ..) ابن تيمية : منهاج السنة 8/99
رابعاً : تخصيص علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، بلقب (الإمام) دون إخوته من الخلفاء الراشدين الذين سبقوه [ ح 26 ] .
وهذا القول يتضمن - لمن له أدنى دراية بدلالة المصطلحات - إنكار لشرعية خلافة أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، رضوان الله عليهم.
خامساً : إهمال دور ابن سبأ في الفتنة [ ح 26 ] .
مع إن شخصية ابن سبأ مجمع عليها في المصادر السنية والشيعية القديمة ، وتعليل ذلك أن الحديث عن ابن سبأ يعد خطاً أحمر ، في الخطاب الفارسي ، والأطياف التي تدور في فلكه .
ومما يؤيد ذلك ، أن الأخ الحبيب الشيخ حسن الحسيني ، وفقه الله ، منع من التصوير في أكثر من مكان يصل إليه التومان الإيراني ، بسبب ، عدم انصياعه للخطوط الحمراء ، التي فرض مثلها على مسلسل القعقاع بن عمرو ..!
وللتوسع عن دور ابن سبأ انظر رسالتي للماجستير (استشهاد عثمان رضي الله عنه ووقعة الجمل ...) وهي موجودة على الشبكة العنكبوتية .
سادساً : الانحناء لعلي رضي الله عنه ، انحناءً كاملاً من قبل اثنين من رجالاته [ ح 27 ] .
وهذه عادة من عادات عبودية الفرس ، لأسيادهم الأكاسرة ، وهي من الأمور التي نبذها الإسلام ، وحذر منها .
سابعاً : عندما تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما ، حقناً لدماء المسلمين ، أظهرت اللقطة وجه الممثل الذي يقوم بدور معاوية ، وقد ارتسمت عليه ملامح التشفي ، والشماتة ، جراء صنيع الحسن رضي الله عنه [ح 32 ] .
وهذه رسالة رمزية للنيل من معاوية رضي الله عنه ، تغني عن عشرات المؤلفات ، والمحاضرات التي ألفها الرافضة للطعن في معاوية رضي لله عنه .
وحقيقة الأمر مبسوطة في رسالتي للدكتوراه : مرويات خلافة معاوية رضي الله عنه (وهي منشورة على الشبكة العنكبوتية).
القسم الثالث : التنقص من معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما :
أولاً : أن الممثلين اللذين قاما بدور الصحابيين الكريمين معاوية وعمرو بن العاص ، رضي الله عنهما ، كانا أقرب سمتاً وهيئةً لقراصنة الكاريبي ، أو زعماء المافيا . وليس إلى صحابيين كريمين تربيا وتخرجا من مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن يبدو أن المخرج لا يفرق بين الدهاء ، من جهة ، وبين الغدر والخيانة من جهة أخرى ، وهذه بصمة فارسية جلية .
وللتوسع في شأن معاوية رضي الله عنه ، انظر رسالتي للدكتوراه (مرويات خلافة معاوية رضي الله عنه ..) وهي موجودة على الشبكة العنكبوتية .
ثانياً : عدم ذكر اشتراك معاوية رضي الله عنه ، في قتل مسيلمة الكذاب ، عند الحديث عن ردة بني حنيفة [ ح 7 ] .
مع إن معاوية رضي الله عنه قد اشترك في قتل مسيلمة الكذاب عندما اقتحم الصحابة رضوان الله عليهم ، حديقة الموت ، التي يسميها بنو حنيفة ، حديقة الرحمن .
ثالثاً : إظهار معاوية رضي الله عنه ، بالشخص المغرور ، المنعم ، المترف ، الحريص على الدنيا ، من خلال لبسه ، ومشيته ، ومجلسه.
مع إنه رضوان الله عليه كان متأثراً بشخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، كما أنه كان أقرب إلى الزهد منه إلى الترف ، وفي ذلك يقول التابعي الثقة يونس بن ميسرة : (رأيت معاوية في سوق دمشق على بغلة له ، وخلفه وصيف قد أردفه ، عليه قميص مرقوع الجيب ، وهو يسير في أسواق دمشق) ابن منظور : مختصر تاريخ دمشق 25/53 .
رابعاً : إظهار معاوية رضي الله عنه ، بمظهر الرعديد ، الجبان ، الذي طار قلبه ، عند محاولة اغتياله ، من قبل الخارجي البرك بن عبد الله [ ح 30 ] .
وهذه رسالة رافضية ، رمزية أخرى ، هدفها الحط من منزلة معاوية رضي الله عنه ، ذلك الصحابي الكريم ، الذي دوخ الأرمن ، والروم ، قبل الخلافة وبعدها ، إنه الرجل الذي أسس البحرية الإسلامية ، وحاصر القسطنطينية عاصمة الروم . ولكن هذه الفرية ينطبق عليها المثل القائل : رمتني بدائها ، وانسلت ! .
القسم الرابع : التنقص من خالد بن الوليد رضي الله عنه :
أولاً : التعريض بخالد بن الوليد رضي الله عنه ، عند مسيره من العراق إلى الشام ، عبر بادية السماوة ، وأنه عرض جيش المسلمين للتهلكة بسبب ندرة الماء في الطريق [ ح 9 ] .
وهذا افتراء على خالد رض الله عنه ، حيث إنه طبق في مسيره من العراق إلى الشام عبر بادية السماوة ، خطة في غاية الذكاء ، ذلك أنه حول الإبل التي معه إلى خزانات للمياه ، بعد أن أعطشها ثم جعلها تشرب الماء حتى تضلعت ، فتحولت إلى خزانات وصهاريج ماء متنقلة ... الخ تفاصيل هذه الخطة المشهورة في المصادر التاريخية .
ثانياً : التعريض بخالد بن الوليد رضي الله عنه من جهة اتهامه بوضع السيف في أهل دمشق ، وأن أبا عبيدة بشق الأنفس أقنعه بالصفح عنهم [ح 11 ] .
وهذه مغالطة لأن قسماً من مدينة دمشق قاوم الجيش المسلم ، وهو المواجه لجيش خالد بن الوليد ، فقاتلهم رضي الله عنه، والقسم الآخر استسلم لأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه دون قتال ، وهذا من الأمور المشهورة في فتح دمشق .
القسم الخامس : الأخطاء التاريخية العامة :
وتتراوح بين الأخطاء البدائية ، والساذجة ، التي أخرجها مخرج المسلسل من كيسه ، مثل قول مسيلمة الكذاب عن نفسه : ( من مسيلمة رسول الله إلى ...) في حين أنه من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هو الذي صغر اسم هذا الكذاب ، بينما اسمه الذي يناديه به أنصاره هو ( مسلمة الحنفي ) ، ثم أصبحوا ينادونه (مسلمة رسول الله) بعد ادعائه النبوة ...!
هذا وقد تركت بقية الأخطاء منعاً للإطالة .. والله تعالى أعلم
المصدر : موقع التاريخ