بسم الله الرحمن الرحيم
أحمد بن محمد بن مسعود بن محمد حماني، ولد بدائرة الميلية في آخر أسبوع من شوال سنة ألف و ثلاثمائة و ثلاثين آخر أسبوع من سبتمبر سنة 1915، و بها تعلم القرآن و المبادئ الأولى في الفقه و أصول الدين ( التوحيد)
نزح إلى قسنطينة في فصل الربيع من سنة 1930 فأتم حفظ القرآن بكتاب سيدي أمحمد النجار ثم انخرط في سلك طلبة الإمام عبد الحميد ابن باديس ابتداء من أكتوبر 1931 مدة ثلاث سنوات ( سبتمبر 1934 ) و أتقن بهذه المدة فنون الدراسة الابتدائية، و حضر أول مظاهرة شعبية قادها الشيخ ابن باديس كما حضر بهذه السنة لأول مرة اجتماعا عاما لجمعة العلماء و انخرط فيها كعضو عامل.
ارتحل إلى تونس في أول السنة الدراسية 1934 – 1935 فانتظم في سلك طلبة الجامع الأعظم، و دامت دراسته هناك مدة عشر سنوات ملتزما بالنظام، حصل على الأهلية في 1936، و على شهادة التحصيل في 1940، و على شهادة العالمية في سنة 1943.
كانت صلته بابن باديس في حياته و بجماعته بقسنطينة لم تنقطع، و من هنا عمل بمجلة "الشهاب" ، ثم بجريدة "البصائر" و كتب فيهما، و تحمل مسؤوليات في جمعية العلماء، و شارك في الصحافة التونسية و الجزائرية منذ سنة 1937، و انتخب أمينا عاما في جمعية الطلبة الجزائريين بتونس بجانب المرحوم الأستاذ الشاذلي المكي الذي اعتقل سنة 1940 و تعطلت الدراسة في شهر جوان 1940، فلم تستأنف إلا في شهر أكتوبر فحضر امتحان التحصيل و نجح بالتفوق، ثم جاءه الأمر من جماعة قسنطينة بمواصلة الدراسة العليا و أطاع، فواصل الدراسة بجد في القسم الشرعي و انتهت بحصوله على العالمية في جويلية 1943.
أثناء هذه الفترة تطورت أحداث الحرب العالمية الثانية، و نزل الحلفاء بالجزائر و سابقهم الألمان نزلوا بتونس في نوفمبر 1942 و انقطعت الصلة بين تونس و الجزائر تماما، و تعذر الاعتماد المادي و كان معه بعثة علمية هو مسؤول عنها ماديا و أدبيا، فصار مسؤولا عن خمسة و لم يبخل الشعب التونسي الكريم علينا طيلة وجود الألمان حتى ارتحلوا أو طردوا في ماي 1943.
أثناء وجود الألمان غامرنا بالاتصال معهم مغامرة وطنية مع أنهم قد بدأ احتضارهم و كنا ثلة من التونسيين و الجزائريين، و قد انكشف لنا خبث نياتهم و سوء نظرهم إلى العرب، و تبين أنهم يعتبرون ارض إفريقيا حقا لاستغلال الأوروبيين، و عداوتهم للفرنسيين إنما من اجل هذا الاستغلال، أما العرب فهم كالعدم، و في برقية من "هتلر" إلى بيتان يقول : "نزلت جيوشي بتونس من أجل الاحتفاظ بإفريقيا لأوروبا" ففشلت هذه الاتصالات بهم، و خصوصا هزائمهم في روسيا، و في العلمين.
بعد احتلال تونس ألصقت بنا تهمة الاتصال بالعدو في زمن الحرب، و القي القبض على كثير من الطلبة الجزائريين، فدخلت عالم السرية ابتداء من 1943 و نجوت من العذاب الأليم، ثم قدمت إلى المحاكمة التي وقعت في 20 مارس 1945 بعد تدخل جمعية العلماء و أهل قسنطينة و قدمت رشوات ضخمة أنجت الطلبة الجزائريين و حكم عليهم بالبراءة أو بأحكام خفيفة.
كان الرجوع إلى الجزائر في 30 افريل 1944 في عهد السرية، فلما نزلت بقسنطينة ابتدأت العمل في التربية و التعليم، و كنت كالضمير المستتر لا يبرز رغم أثره العظيم، و رغم أن البحث عني كان ما يزال جاريا بتهمتين: الفرار من الجندية الإجبارية و التعاون مع العدو في زمن الحرب، لكن امتنا الكريمة تستطيع كتمان السر عند الحاجة، و حتى الشرطة فيهم من يكتمه لأن كشفه يفيد العدو، فلما جاء أجل المحاكمة لم يبق مفر من البروز بعد تمهيد الطريق، فوقعت المحكمة بتونس أمام المحاكم العسكرية و نجونا جميعا بالبراءة او بالحكم الخفيف.
و في عهد السر حصلت على الشهادة العالمية في القسم الشرعي، و دخلت القسم الأدبي، و شرعت في الدراسة، ثم قطعتها و رجعت في التاريخ المذكور، و قد سميت مديرا علميا للدراسة في التربية و التعليم، و أهم ما طرأ على الدراسة في هذه المدرسة إنشاء التعليم الثانوي بها، و تخلي المرحوم السعيد حافظ عن إدارتها فخلفه المرحوم الأستاذ / عبد الحفيظ الجنان، أما المدرسة الثانوية فقد عين لمباشرتها الشيخ السعيد حافظ لقسم الإناث، و أحمد حماني لقسم الذكور، ثم داهمتنا أحداث 8 ماي 1945، و صدر الأمر بغلق المدرسة و كل مدارس الجمعية في ولاية الشرق ابتداء من شهر ماي 1945.
عقد مؤتمر من المعلمين و رجال الجمعيات في مارس 1946 بقسنطينة، و قرر عدم الاعتراف بقرار الغلق ووجوب إعادة الحياة للدراسة العربية ابتداء من أول السنة الدراسية، و فتحت المدارس أمام أعين العدو المبهوت، و عدت إلى الإدارة العلمية ابتداء من أكتوبر 1946،ـ و قد عين للإدارة العلمية المرحوم أحمد رضا حوحو، و أنشء قسم ثانوي للبنات و للذكور.
في هذه السنة تكون مؤتمر المعلمين و أنشئت لجنة التعليم العليا لغرض توحيد التعليم الحر ماديا و أدبيا على مستوى الوطن و بعض مدن فرنسا، و قد عينت عضوا في هذه اللجنة التي أنجزن أشياء كثيرة في عقد من السنين، كما أنشأت التفتيش الابتدائي و العام ووحدت الدراسة، و أنشأت الشهادات الفاصلة بين مراحل التعليم، و نفذت البعثات العلمية إلى ثانويات و جامعات مصر.
منذ سنة 1947 تكونت أول ثانوية بالجزائر للتعليم العربي الحر، و عين لإدارتها الشهيد الشيخ العربي، و للأستاذية أبناؤه و إخوانه و منهم أحمد حماني و هو الذي أشرف على تنظيم الدخول فيه، و شارك في تكوين هذه الثانوية، و بقي المشرف على اللجنة العلمية إلى آخر لحظة من حياة المعهد، شهر اوت 1957.
في سنة 1955 أسندت إليه رئاسة لجنة التعليم العليا بعد أن اعتقل كثير من رجالها.
في عام 1946عينته جمعية العلماء كاتبا على مستوى جميع ولايات الشرق، يهتم بالجمعية و شعبها و مدارسها و شؤون التعليم فيها، فقام بالمهمة أحسن قيام.
و في سنة 1951 انتخب عضوا في إدارة الجمعية و أسندت له مهمة نائب الكاتب العام، و دام في هذا المنصب مادامت الجمعية في الوجود.
منذ نشوب حرب التحرير في عام 1954 كان مثل إخوانه يعمل فيها، و كان العمل سرا، و جعلت دار الطلبة من المراكز الأساسية للثورة، و دام هذا إلى يوم ألقي عليه القبض في 11 أوت 1957 بالعاصمة، و أغلقت دار الطلبة و طرد منها سكانها و احتلها العدو، و جعلها من مراكز التعذيب و الاعتقال، و بقي فيها إلى يوم الانتصار سنة 1962.
بعد 27 يوما في العذاب و الانتقال من الجزائر على قسنطينة، زج به في السجن و عذب فيه أيضا و اعتبر من المشوشين، ثم حوكم أمام المحكمة العسكرية فنال الأشغال الشاقة، و نقل إلى السجن المركزي بتازولت "لمبيس"، حيث بقي هناك الى يوم 4 أبريل 1962.
و في تازولت أنشأ مع إخوانه المجاهدين حركة المجاهدين حركة تعليم منظم، و كون طلبة أتم بعضهم دراسته، ثم امتهن في عهد الاستقلال التعليم في الثاويات و صاروا جهازا في ميدان التربية و التعليم، و فيه أيضا دبرت المكائد ضده، و كاد الاغتيال يناله عام 1960 بعد ابتداء المفاوضات، و بسببه وقع الإضراب العام من جميع المساجين بسبب خطبة يوم عيد النحر، فكان سبب سقوط النظام الطاعة "دسبلين"، و نال المساجين حقوق السجن السياسي و صرنا نسمع الإذاعات و نقرأ الصحف، و هذا في 1961.
و بعد الانتصار سمي عضوا في اللجنة المسؤولة عن التعليم في مدينة قسنطينة، و مديرا لمعهد ابن باديس، و فتح أبوابه للتعليم إلى رفع الأمية، فعمر بالصبيان و الشباب الشيوخ و النساء و الرجال.
و بعد تأسيس الحكومة الجزائرية ووقوع الاستفتاء، استدعي من قسنطينة لوظيفة المفتش العام للتعليم العربي، و دام هذا إلى سنة 1963، فلما أسس معهد الدراسة العربية بجامعة الجزائر سمي أستاذا به، و قضى في الجامعة 10 سنوات كاملة من 1962 إلى 1972م.
في سنة 1972م استدعي ليكون رئيسا للمجلس الإسلامي الأعلى، و يعتبر هذا المنصب كمستشار تقني لوزير الشؤون الدينية، و من مهامه تنظيم الدعوة في السجاد و المدن، و إصدار الفتوى، و تمثيل الجزائر و الملتقيات على مستوى العالم الإسلامي أجمع، فقام بهذه المهمة المرحوم "المولود قاسم" ثم من بعده إلى عام 1988 حيث دخل في فترة التقاعد ابتداء من ينار 1989م .و أثناء وجود في هذا المنصب، مثل الجزائر في ملتقيات عالمية بتونس مراران و بليبيل مرتين، و بمصر مرة و بالسعودية مرارا، و بالأفغان، و بالهند،و بسر نديب "سرلنكة" ، و ببلجيكا، و بنواكشوط، و بتشاد و بموسكو، و بإيران، و تناول الكلمة في هذه المجتمعات كلها.
عين في اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني في اول عهد لحكم الرئيس السابق سنة 1983-1984-1985، إلى أن جاء سيل 1988 الجارف، فجرفه في جملة ما جرف من صالح ما بني أثناء فترة الاستقلال، و حاول طمس دولة الجزائر.
منذ تأسست الدولة الجزائرية، كان متصلا بوزارة الشؤون الدينية يبذل في خدمتها النصيحة و المشورة و الفتوى فيما يسأل عنه : الشعبية منها و الدولية ، ثم عينه الوزير في مجلس الإفتاء و هو يعتبر نفسه مسؤولا أمام الله قبل العباد.
توفي رحمه الله سنة 1998 م