بقلم: سري القدوة/المحرر المسؤول رئيس تحرير جريدة الصباح – فلسطين المحتلة
إن الثقافة لا يمكن إنقاذها إذا ما أصبحت قوى التوازن في المجتمع ذاتها فاسدة وغير ذات صلة، وهنا نشعر بضيق شديد من الانهيار في المقاييس والقيم وفقدان التكافل الاجتماعي، وعندما يقف الإنسان عاجزا ولم يحرك ساكن تجاه اله الظلم وأنه إذا لم نتحرك بجرأة لنوقف ذلك المد، فسوف ننحدر في سرعة باتجاه عصر مظلم جديد مثل ذلك الذي حدث عند تحول مصير الأمم الكبرى، مثلما حدث لبلاد ما بين النهرين وروما القديمة، والحكم الملكي في الصين، وللعديد من الإمبراطوريات الغربية الأخرى.
وهنا علي سبيل المثال تبقي مشكلة العنصرية المستمرة حتى اليوم في السياسة الأمريكية من أهم مشكلات القرن الحادي والعشرون والتي تدمير البيئة وتلحق الأذى ليس في الولايات المتحدة التي تنفرد في قيادة العالم فحسب بل في المجتمع الكوني بأسرة وتعدي ذلك كله ألي الكشف عن الأضرار الاجتماعية الناتجة عن الجريمة وغياب ثقة الناخبين في السياسيين والفجوة التي تزداد اتساعا بين الأغنياء والفقراء بداخل مجتمع يعيش تحت الشمس ويمثل ديمقراطية زائفة ديمقراطية شريعة الغاب، أن أمريكا وعندما تعترف بكل تلك المشاكل و بوجودها سابقا، تبدو الولايات الأمريكية في طريقها حتما للانهيار.
أن حصر نظام الدولة في الولايات المتحدة في قطبين سياسيين فقط، وعنجهية السلطة، والدور المهيمن لوسائل الإعلام والذي يقوم فيه بإمطار الجميع بالعديد من الرسائل المختلطة والمتداخلة وبإدراجها لكل تلك القضايا، يمكن أن يكون اليوم مقنعا للعديد من المفكرين والباحثين بشان تعاظم الانهيار الأمريكي داخليا بشأن غروب الحضارة الأمريكية والذي بات أكثر إقناعا لكل المتابعين للشأن الأمريكي بل للمفكرين وصناع القرار علي مستوي البت الأبيض أنفسهم.
أن هذا العصر الجديد عصر الإعلام والتكنولوجيا الاتصالية يفوق تصور البعض حيث أصبح العالم الكوني غرفه صغير وأصبح الاتصال بحد ذاته هو اتصال مباشر ويعني ذلك أن تركز العمل على القضايا والمؤسسات التي تعد حيوية وأساسية لثقافة الأمم بات في غاية الأهمية والتي تضمحل في عصرنا بالتدريج.
إن السياسات الأمريكية تجاه العالم العربي والتي تدعي الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة والتي تستهدف النظام العربي الرسمي وإرادة الشعوب العربية وضرب العقل العربي والقضاء على أي قوة عربية قائمة في المنطقة بات من الواضح أنها ستنتهي بالفشل الحتمي. لأن صراع الإرادة والعزيمة أقوى من هيمنة وبلطجة الفعل الأمريكي الذي يعكس مفهوم الأزمة، ويدفع المنطقة إلى الدخول في دوامة السيطرة الأمريكية والرغبة "الإسرائيلية" في التوصل إلى صيغة السيطرة الأمنية، من خلال تدمير وإنهاء قوة الحضارة العربية التي أصبحت شوكة في حلق السياسة الأمريكية والمصالح "الإسرائيلية" في المنطقة العربية.
إن الإرادة والعزيمة والوعي العربي ما زال يعكس جو من التفاؤل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والخروج بأقل الخسائر من وراء تلك الهيمنة الأمريكية، هذه الهيمنة القاتلة للواقع العربي ولمستقبل الالتقاء العربي والوحدة والتلاحم في ضوء صياغة أسس النظام العربي القادر على صياغة مستقبل حلمنا وتفكيرنا ووحدتنا العربية..
إن الخروج عن قاعدة الحوار والتفاهم والإرادة الدولية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية واستخدام لغة الغطرسة والهيمنة والبلطجة يعكس مدى التدهور في تفاصيل السياسة الأمريكية ويعزز مستقبل العجز الأمريكي على التعامل مع معطيات الواقع العربي وما تلك المحاولات البائسة لفرض جو من التوتر على المنطقة والتعامل بعقلية الغطرسة وفرض سياسة القوة يدفع العالم العربي إلى ضرورة إعادة نمطية التفكير في طبيعة ومستقبل العلاقات في المنطقة.
إن الكرامة والشرف والأخلاق العربية والحضارة التي ننتمي إليها تمنحنا الثقة بأنفسنا وتعزز قدرتنا وإنسانية توجهنا في العيش بحرية وكرامة ومساواة.
إن تحديد معالم المرحلة لم يعكس سوى أسلوب السياسة الأمريكية في ضوء دائرة العنف والقوة، وكالعادة ستدور الدائرة ويدفع الإنسان العربي الثمن من جديد لهيمنة النظام الأمريكي الجديد..
أن زعماء الولايات المتحدة الحاليين والعديد من قيادات المجتمع الأمريكي متكبرون ومغرورون ومستبدون بصورة كبيرة، كما أنهم غافلون عن سرعة انهيار البنية الاجتماعية وما يصاحبه من تداعيات، لذلك لا يستطيعون إبطاء عملية انهيار المؤسسات الأكثر قمعا لإرادة الشعوب، وهذا بالإضافة إلى انهيار ثقافة أمريكا بالصورة التي عليها اليوم وبالرغم من جهود البعض لدق أجراس الإنذار من أجل إيقاظ النظام الدولي الجديد والذي يطلق علية إمبراطورية بوش، إلا أن هناك شعورا غامضا تجاه قضايا الإصلاح وما يمكن معالجته قبل لحظات الانهيار القادم.
لقد أظهر لنا التاريخ بصورة متكررة أن الإمبراطوريات نادرا ما تحتفظ بوعي ذاتي ثقافي كاف لمنعها من تخطي حدودها وزيادة جشعها وطمعها وبكل المقاييس تبقي قوة الحضارة هي التي ستنتصر على حضارة القوة مهما طال الزمن وأن الهيمنة والغطرسة والكبرياء لا يمكن أن تتعالي علي الشعوب وسرعان ما تنهار أمام قوة الحضارة والتاريخ.