عبد العزيز غرمول
-->
منذ بضعة أيام، قرأت في الصحافة أن وزارة التربية الوطنية، وعلى رأسها العبقري الخالد الوزير بن بوزيد، حشدت كل إمكانياتها واجتهاداتها الكسولة لدراسة العوامل المتسببة في تراجع نسبة الذكور الناجحين في الامتحانات، واعتبرت ظاهرة تفوق الإناث أصبحت تشكل خطرا على مستقبل الجزائر بدعوى انعدام الفرص بين الجنسين!؟.
يا للملهاة على الطريقة الشكسبيرية!
بعد ربع قرن من برزخة هذا الوزير الآبد على المنظومة المدرسية، يدعي بأنه اكتشف الماء الساخن! ولو كان يتميز ببعض الفطنة والتربية الأكاديمية السوية لراجع قوائم الإناث ومؤهلاتهن في وزارته ليكتشف أن بعضهن يتفوقن معرفة وثقافة وتفهما للمنظومة التربوية من حضرته، وأن وجود ذكر على رأس وزارة التربية يشكل بالفعل خطرا على مستقبل الجزائر.
دعونا نذكّر معاليه أن هذا التفوق الأنثوي يعود لسياسة حكوماته (المتعددة في أحاديتها) التربوية والاجتماعية والثقافية، حيث التوازن والاعتدال وتكافؤ الفرص بين الإناث والذكور منعدمة في قواميسهم، وهم على غرار أسلافهم الذين قال الله فيهم: ''وإذا بشّر أحدهم بأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم''.
هذه السياسة هي التي أوصلتنا في مجتمع القرن الواحد والعشرين إلى أن اضطرار رئيس الجمهورية منح مقاعد للنساء (هكذا على شكل صدقة) في المجالس المنتخبة التي لا ينتخب فيها الجزائريون المرأة لأنها لا تزال في ثقافتهم العوراء، عورة وقاصرا، وربما مجرد آلة لتبييض الأطفال والشهوات.
دعونا نذكّر معاليه ثانية أن قدر الأنثى (وهي تسمية تمييزية كالتمييز العنصري) قدرها أن تدرس وتنجح وتعمل وتنجح، وتطلب من الله أن تتزوج وتنجح، وهذه الأمنية الأخيرة تتوقف على مؤهلات النجاح لدى الذكور الذين يتخرجون خُدَّجا من المنظومة التربوية لمعاليه.
ماذا تفعل أنثى دون مؤهلات النجاح؟ هناك طريقان لا ثالث لهما، إما أن تذهب في طريق الفساد وتمد يدها لجيوب الذكور الذين تتوفر لهم أموال، أو تقضي عمرها مربوطة اليدين مع مواعين المطبخ والغسالة الكهربائية إن توفرت.
هذه هي الفرص المتوفرة، وهذه هي الثقافة التي يتبجح بها خريجو منظومة بن بوزيد. وقد تفطنت النساء بفعل خبرتهن المريرة منذ ثمانينيات القرن الماضي إلى وضعهن البائس، فاجتهدن ونجحن وتفوقن في دراستهن وتواجدهن في أغلب وظائف الدولة.. ومشكلتهن الوحيدة اليوم أن أنثى ناجحة كطبيبة أو محامية أو مهندسة مثلا تضطر، بحكم التقاليد الاجتماعية الباغية، للزواج من ذكر قد يكون غير مؤهل للرجولة بفعل المنظومة التربوية القاصرة.
وبالمقابل، ماذا يفعل الذكر بتفوقه المدرسي إذا كان قدره في هذه السياسة الإباحية إما مهمشا أو حرافا؟ لماذا يضيّع أجمل سنوات عمره وهو يحرد على مقاعد الدراسة بينما يستطيع أن يوفّر عيشه بحراسة مواقف السيارات أو بيع التبغ على الطرقات أو المتاجرة في الممنوعات... ويعتبر ذلك رجولة!
هناك مشكلة بسيطة ستواجهها هذه السياسة البغيضة إذا لم تصحح انحرافاتها، وتتمثل في ذلك اليوم الذي تعي فيه الإناث أغلبيتهن الثقافية والاجتماعية والانتخابية، يومها لن يكون بن بوزيد سوى يعسوبا في مملكة الأمازونيات