لا بد من استخلاص العبر من معركة حطين وفتح بيت المقدس ، ومن أبرز هذه العبر ما يلي :
أولا : إن عملية التحرير لا تتم إلا من خلال الوحدة الإسلامية في ظل القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، واجتناب الكبائر والموبقات ، وإتباع مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبغي والظلم .
ثانيا : إن عملية التحرير تتم بعد الإعداد والاستعداد المادي الملائم من العتاد والأسلحة وكافة وسائل القوة المادية والجهاد في سبيل الله .
ثالثا : إن عملية التحرير في المرتين ، كانت تحت إمرة قائد مسلم عادل ، يتخذ من الجهاد في سبيل الله طريقا منيرا ، كضوء الشمس ، الأول هو الفاروق عمر بن الخطاب من مكة المكرمة ومن عاصمة الدولة الإسلامية من المدينة المنورة ، والقائد الثاني صلاح الدين الأيوبي من تكريت العراقية ، بعد استلامه زمام مصر والشام معا ، فالانطلاق والتحرير ومقاومة ومناهضة الطغيان تحتاج إلى تعاون أهل البلاد الأصليين أيضا ليكونوا رأس الحربة الجهادية في سبيل الله ، لأن قوة التحرير الحقيقي الكبرى تأتي من خارج الأرض المحتلة ، والظلم لا يمحوه إلا العدل والإحسان . وبهذا نستطيع القول ، إن عملية التحرير الثالثة القادمة لبيت المقدس لن تكتمل إلا بالإسلام دعوة ودينا ودولة وبالجهاد في سبيل الله طريقا ، ولا بد من وجود القائد الرمزي المسلم الموحد لكافة الجهود الفكرية والعملية جنبا إلى جنب دونما إبطاء ، فالقائد الفذ هو المنقذ وهو المجمع للجهود المبعثرة هنا وهناك ، فالأمة تمتلك كافة مقومات الحرية والتحرير من بر وجو وبحر ، ومن مقومات عقائدية وبشرية واقتصادية وغيرها إلا أننا بحاجة ماسة إلى وجود الإرادة القوية الصادقة والأمينة الحريصة على النصر وإعادة أمجاد الأمة العربية الإسلامية ، الأمجاد التليدة .
رابعا : لا بد لنا وأن نقول عن يوم حطين ، يوم النصر للمسلمين ، وفي الوقت ذاته يوم هزيمة وخيبة للفرنجة والمحتلين هو يوم بشرى عبر الأجيال السابقة واللاحقة ، للاستفادة من دروس الماضي وعبره ورفض الذل المستطير ، واستشراف المستقبل ، كما قال الله جل جلاله : { وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ . لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ } [9] . وقال الله تعالى مؤكدا على ذلك في آية أخرى : { وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [10] .
وختاما ، يجب أن يقتدي المسلمون في هذا العصر بأبطال معركة حطين الخالدة أبد الدهر والأزمان كدليل ساطع على مقدرة الإسلام والمسلمين على هزيمة الظلم والظالمين حيث خرجوا وسيخرجون مذمومين مدحورين إن شاء الله ، لأن الله كتب الجلاء على الطغاة ، مهما طال الزمن وتغيرت موازين القوى واختلفت أنواع الأسلحة ، { فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } [11] ، { وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى } [12] . ونحن كعرب ومسلمين ، يجب أن لا نيأس من روح الله ، لان من يعد العدة للنصر يقطف ثماره ، وكما قال الله سبحانه وتعالى : { لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ } [13] . وسلام إلى صلاح الدين وعلى صلاح الدين ، يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا ، وسلاح الإيمان هو الأكثر مضاء وفعالية ، أكثر من السيوف والرماح والنشاب والمنجنيقات ومن الطائرات والدبابات والقوة النووية والذرية ، في كل عصر وكل حين من الدهر ، مهما اختلفت الصور والأشكال ، على مر الزمن والأجيال ، فالحق هو الحق ، والباطل هو الباطل ، والنصر من عند الله الواحد القهار ، ولتكن هذه الثلة المجاهدة في سبيل الله قدوة لنا ، كما كان الرسول الكريم قدوة لهم ولنا عبر مسيرة الإسلام الحنيف ، قال تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } [14] .
وبالجهاد وحده تتحرر البلاد كما قال الله سبحانه وتعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } [15] .
انتهى .