التيارات الفكرية الحديثة.
حين ضعفت الدولة العثمانية وتكالبت عليها قوى الاستعمار، تعددت التيارات الفكرية التي قدمت تصوراتها للحلول الملائمة للمشكلات القائمة آنذاك، ويمكن التمييز بين أربعة تيارات: تيار الجامعة الإسلامية وأبرز دعاته الشيخ جمال الدين الأفغاني، ويقوم على أساس أن الإسلام هو الرابطة التي يمكن أن يلتف حولها المسلمون ليتقدموا؛ وتيار الرابطة العثمانية، ويقوم على التمسك بالدولة العثمانية والولاء لها، وأبرز زعمائه مصطفى كامل في مصر، وتيار الوطنية الإقليمية الذي ظهر على يد الشيخ رفاعة الطهطاوي عام 1869م، ويدور حول مقاومة المحتلين؛ وتيار القومية العربية، الذي يراه بعض المؤرخين والدارسين متأثرًا بمخططات الغرب الرامية إلى إضعاف الخلافة العثمانية وفصل العرب والمسلمين عن جسم الخلافة، وتشتيت كلمتهم حتى يستطيع الغرب بسط نفوذه ووضع يده على كل ما يملكه المسلمون.
السيطرة الاستعمارية. العامل الثالث، في تشكيل الأنظمة السياسية العربية، هو السيطرة الاستعمارية. فلقد حافظت البلاد العربية في ظل الحكم العثماني على درجة من الوحدة، ولذلك تعتبر السيطرة الاستعمارية العامل المباشر في التمزق الذي أصاب البلاد العربية وإيجاد ظاهرة التعدد، ومن ثم فإن ظاهرة التعدد تعود بشكل رئيسي إلى الاحتلال الأوروبي للوطن العربي الذي جزأته القوى الأوروبية، وبذلك اختفت مظاهر الوحدة التي ظلت قائمة طوال فترة الحكم العثماني. ويظهر أثر السيطرة الأجنبية على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي. هذا بالإضافة إلى عملية الغزو الثقافي وما ارتبط بها من تشويه للتراث العربي. وقد حصلت الأقطار العربية على استقلالها نتيجة لضغط الحركة الوطنية والنضال المتواصل من أجل الاستقلال. وأدى التعدد والتنوع في حركات التحرر إلى تعدد وتنوع في القيم والاتجاهات السياسية؛ فقد ظهرت قيم سياسية محلية خاصة بكل قطر عربي، وساد تيار الوطنية الإقليمية.
ولا شك أن القوى الاستعمارية كانت هي المستفيدة من استمرار التجزئة؛ ولذلك فقد حرصت منذ أيام محمد علي على منع قيام دولة قوية في هذا الجزء من العالم، كما حرصت دومًا على استمرار تبعية الأقطار العربية اقتصاديًا وثقافيًا، بما يقلل من أهمية الاستقلال السياسي. فقد عمل الاستعمار الأوروبي على طمس معالم الهوية الإسلامية العربية التي تميز العرب عن غيرهم، وسارت جهوده في خطين متوازيين؛ محاربة الثقافة الإسلامية العربية من جانب، ونشر الثقافة الغربية من جانب آخر.
وباستثناء مصر التي بدأ التجديد فيها منذ بداية القرن التاسع عشر، فإن هذا الخط أثر في البلاد العربية الأخرى في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وبدأ التنبيه والوعي في البلاد العربية، لمواجهة الانحلال الداخلي والغزو الخارجي، في إطار الإسلام والعروبة. ففي الاتجاه الإسلامي، يلاحظ ظهور حركات إحياء أو تجديد ومواجهة لموجات الغزو الخارجي تحت راية الجهاد، كما يلاحظ ظهور حركات إصلاحية في العصر الحديث، مثل السلفية بقيادة محمد بن عبدالوهاب في الجزيرة العربية والسنوسية في ليبيا والمهدية في السودان، والتي اصطدمت بالتوسع الغربي. وقد أدت الحرب العالمية الأولى إلى شمول الهيمنة الغربية على البلاد العربية وإلى التجزئة وقيام كيانات إقليمية. وكان التحدي في بلاد الهلال الخصيب، قبل الحرب، داخليًا مع وجود التعدد الديني والاتجاه إلى العروبة. أما في مصر وشمالي إفريقيا، فقدكان التحدي خارجيًا، فجاء التأكيد على الإسلام والعروبة. والآن، صار الغزو الغربي شاملاً والتحدي مباشرًا.
النظم السياسية العربية المعاصرةشهد النظام العربي منذ نشأته الرسمية عام 1945 م ظاهرة الصراع بين وحداته. ويُظهر التحليل العلمي لهذه الظاهرة أن شدتها لاتتجه إلى التزايد أو التناقص عبر الزمن، وإنما هي اتجاهات تتذبذب صعودًا وهبوطًا. والواقع أن ذلك يرجع إلى أن الصراعات العربية ـ العربية في أية مرحلة من المراحل كانت لا تحُل وإنما كانت تخضع لتهدئة تحت تأثير عامل أو آخر. ومن هنا، نجد أن هناك غيابًا للآليات الفعالة لحل وتسوية الصراعات العربية ـ العربية. ويلاحظ هنا أن دور الجامعة العربية في هذا الشأن محدود على الرغم من أنها سبقت غيرها من المنظمات الإقليمية (منظمة الوحدة الإفريقية) والعالمية (الأمم المتحدة) في سجل تسوية المنازعات العربية ـ العربية.
[line]
المرجع
" الموسوعة العربية العالمية "
http://www.mawsoah.net/gae/theme4/rights-logo.gif