الظروف السياسية والاجتماعية في الجزائر
في بداية القرن العشرين
نشأ عبد الحميد بن باديس في ظروف سياسية واجتماعية صعبة في الجزائر، ولعل معرفة طبيعة هذه الظروف تفيد إلى حد كبير في تقييم الدور العظيم الذي لعبه ابن باديس وجمعية العلماء في الجزائر
في بداية القرن العشرين كانت الأوضاع في الجزائر قد وصلت إلى حالـة يرثي لها، كان الاستعمار الفرنسي قد جثم على صدر الجزائر منذ 1830، وكانت مخططاته الشيطانية تسير على قدم وساق، فالمذابح تتكرر، وعمليات الأبادة تشتد، وانتزاع الأراضي من الا هالي لصالح المستوطنين من أوروبا وفرنسا خاصة،الذين كانوا يتدفقون على الجزائر، والبعثات التبشيرية تعمل بهمة ونشاط وتستغل الأوضاع الاقتصادية السيئة التي آل إليها شعب الجزائر، والمجاعات تتكرر، والأوبئة تنتشر، وعدد السكان الجزائريين يتناقص باستمرار، !!
والمخططات الاستعمارية تبذل جهودها في القضاء على الدين الإسلامي والمساجد والزوايا، وتمنع تعليم اللغة العربية، وتبذل كل ما في طاقتها لفصل العرب عن البربر، وتقوم بعملية تغريب حضاري وثقافي شامل عن طريق تعليم اللغة الفرنسية وتدمير كل المؤسسات الوطنية واستبدالها بمؤسسات استعمارية، بل ونجحت تلك الإدارة في إفساد بعض الطرق الدينية التي كان لها نصيب كبير في عمليات الكفاح ضد الاستعمار، فحولتها إلى طرق صوفية تنشر الخرافة بدلاً من العلم الإسلامي الصحيح، وعلى سبيل المثال فإن الطريقة الرحمانية التي اضطلعت بأعباء الكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي وخاصة في ثورة 1871 قد أصبحت طريقة خربة تنشر الخرافة والتواكل وذلك عن طريق إفسادها من الداخل ووضع بعض العملاء على رأسها، مثل الشيخ أحمد عليوة، وفي المقابل نجد أن شعب الجزائر في تلك الفترة قد أنقسم إلى ثلاث مجموعات رئيسية،
هي مجموعة العملاء والمتعاونين مع الاحتلال الفرنسى، وبعض هؤلاء العملاء قد تخلي عن دينه وتنصر وهذه المجموعة محدودة ولا قيمة لها وملفوظة من الشعب الجزائرى، بل ومحتقرة من سلطة الاحتلال ذاتها
والمجموعة الثانية هي مجموعة النخبة الأرستقراطية وبعض المثقفين، وهؤلاء قد فقدوا الثقة في إمكانية تحرير الجزائر عن طريق الثورة وانغمسوا في اللعبة السياسية ، مثل لعبة الانتخابات أو المطالبة بتحسين أوضاع الجزائريين وتخفيض الضرائب والسماح للجزائريين بالحصول على الجنسية الفرنسية مع الاحتفاظ بدينهم وقوانين الأحوال الشخصية الخاصة بهم، أي أن تلك المجموعة كانت تعلن ولاءها لفرنسا وتدعو لدمج الجزائر بفرنسا واعتبارها مقاطعة فرنسية، بشرط حصول أهلها على حق التجنس والانتخابات والتمثيل في الجمعية الوطنية الفرنسية، دون اشتراط تخليهم عن دينهم أو عن قوانين الأحوال الشخصية الخاصة بهم، وعلى كل حال فإن تلك المجموعة كانت محدودة جدًّا حيث بلغ عددها في مدينة الجزائر العاصمة أقل من 2000، وفي كل الجزائر أقل من 43 ألفًا وهم المسموح لهم بحق التصويت في الانتخابات
والمجموعة الثالثة هي كل شعب الجزائر المسلم المجاهد الصامد، وهؤلاء كانوا يعبرون عن رفضهم للاندماج بأية شروط ويتمسكون بتحرير الجزائر من الاحتلال الفرنسى، ويتمسكون بدينهم وعقيدتهم، وكانوا يتواجدون في كل الجزائر .. في الجبال والسهول والصحراء وفي الأحياء الشعبية وفي المدن ... كانوا يحفظون القرآن الكريم على اعتبار انه الطريقة الوحيدة للمحافظة على كيانهم المتميز حتى بلغ عدد الذين يحفظون القرآن في الجزائر حوالي 60بالمئـة من أهلها، وهذا دليل على حيوية مذهلة في مواجهة عمليات المطاردة التي يتعرض لها محفظو القرآن الكريم وعلماء الدين عمومًا .. كان هؤلاء كالنار تحت الرماد ينتظرون اللحظة المناسبـة
ومن هؤلاء خرج الشيخ عبد الحميد بن باديس