إرهاصـات التغيير وإرادات الشـعوب
هل إرهاب الدولة لشعبها مقدمة للتغيير؟،
أم الفساد في السلطات والجهل في القيادات،
والإثراء غير المشروع للرياسات والأبناء،
والتهام أقوات الفقراء والمعوزين، وامتصاص دمائهم هو المحرك؟،
أم المظالم واستعباد الناس، وامتهان الحرمات، والتلاعب بالقوانين، وتقنين الشهوات والتجاوزات هو الباعث للثورة؟، أم فتح السجون والمعتقلات، وتلفيق الاتهامات، وإقامة المحاكمات الهزلية، وتأليف المحاكم العسكرية، والحكم بالقوانين الاستثنائية، والأحكام العرفية هو الذي يأتي بالبديل؟.
نعم، كل ذلك، وعليه المزيد من أعمال سلطات غير مسؤولة، هو مقدمة لإرهاب طويل، ومؤشرات لإرهاصات التغيير.
مستحيل أن تبقى هنا أو هناك دكتاتوريات لا تحادث إلا نفسها، ولا تسمع إلا طنينها، وتظل معزولة عن الشعب، مطرودة من الأمة إلى أمد طويل، ويستحيل أن تصمد الحلول الاستئصالية طويلاً أمام مطارق الإصلاح، وفي مواجهة رعود الكلمات الحرة، ومطارق الأيدي الشريفة الصالحة، ويستحيل أن تظل الشعوب مخدرة إلى وقت طويل، وأن يظن الغباء الإعلامي أنه بسفهه المفضوح، ورسالته الملوثة، يستطيع خداع الشعوب، أو أن يعقد على قفاها غباء مستديماً، والذين يتوارون خلف الجيوش وجنود الأمن، دائماً مهزومون، والذين يأخذون من الأمة دروعاً لهم، دائماً منصورون، وفي العصر الحديث وحده، كم سقطت من دكتاتوريات، وأزيلت من طواغيت، واندكت من عروش، وبادت جبابرة، وما أغنت عنهم جيوشهم، ولا مخابراتهم، ولا مناصبهم وسلطانهم، ولقد وقفت طويلاً، أمام كلمات سوهارتو التي أخذ يرددها في تنازله عن العرش، وهو مطأطئ الرأس، مرتعش الجبين، منكسر النفس، تتلعثم الكلمات على شفتيه، وتشرد الألفاظ من بين ثناياه، يطلب الصفح من شعبه، والعفو من أمته، والمغفرة من الجماهير المحتشدة، لتنظر إلى مصرع الطاووس، ودفن الدكتاتورية.
لحظات أليمة تنسيه كل ما مارسه من سطوة، ومتِّع به من جاه، وعاشه من عز ورفاه، بل قد تكون هي القاضية، لأنه سيعيش طريداً محقوراً محروماً من كل شيء، حتى من احترام الناس، فضلاً عن شعبه، إن أول من يتنكر له هم زمرته ومنافقوه الذين يبحثون الآن عن منجى لأنفسهم، ومهرب عن عمالتهم ومظالمهم، وقد يأخذون من فضحه سبباً لبراءتهم، ومن كشف عورته للناس ملجأ لحمايتهم، ومن لعنه والمطالبة بمحاكمته، وتقديم الأدلة على ذلك تكفيراً عن ذنوبهم، وعربوناً لإخلاصهم، وهذا لا يعفيهم من تاريخهم الأسود، ولا من عواقب ظلمهم المبيد، ولله در القائل:
إذا الظالمُ استحسن الظلمَ مذهباً
ولجَّ عتواً في قبيحِ اكتسابِهِ
فَكِلْهُ إلى ريب الزمانِ فإنه
ستبدي له ما لم يكن في حسابِهِ
فكم قد رأينا ظالماً متجبراً
يرى النجمَ تيهاً تحت ظل ركابِهِ
فلما تمادى واستطال بظلمه
أناخت صروفُ الحادثاتِ ببابِهِ
وعوقب بالظلم الذي كان يقتفي
وصبَّ عليه اللهُ سوطَ عذابِهِ
لقد عاش شعب أندونيسيا وديعاً مسالماً، ولهذا بغى عليه الاستعمار الهولندي، واحتل أرضه، وأخذ خيره ردحاً من الزمان، وما كاد يثور على المستعمرين ويتمكن من إخراجهم، حتى وقع في دكتاتور من بني جلدتهم، هو "سوكارنو" الذي فعل بأندونيسيا الأفاعيل، وظل يحارب التيار الإسلامي عشرين عاماً، ويزرع الهوية الشيوعية بدل الإسلام، وقتل من العلماء والدعاة ألفاً وخمسمائة في مدى سنتين من حكمه الشيوعي، ولقد أعلن سوكارنو سياسته الدموية في خطاب مشهور سنة 1965م قائلاً: "إن الاستقرار لن يكون إلا بإراقة الدماء الكثيرة، فالطريق نحو هذه الغايات صعب جداً، ولكن يجب ألا تأخذنا الرحمة أو الشفقة"، وأخذ يفتخر بماركسيته فيقول: "[color:e22d="rgb(0, 100, 0)"]إنني ماركسي حتى النخاع، وأفتخر بذلك، إنني أؤمن بالفلسفة المادية"، ثم أعلن الإباحية، وجعل من نفسه القدوة، وكان يقول: إن الرجل الذي لا يذوق طعم الهوى والغرام ولا يفتنه الجمال، فهو إمَّـا مخنث، أو فاقد للرجولة والإحساس.( حيوانية بلغة الاخلاق)
يتبع