العودة من القعدة ( جبال العمور) :
بعد التزود بالأسلحة والذخيرة من المنطقة الثامنة بالولاية الخامسة قفلنا عائدين إلى ميدان عملياتنا بالولاية الرابعة في نفس الظروف و بنفس الطريقة التي ذهبنا بها و لما وصلنا وجدنا الأوضاع قد بدأت تعود إلى مجراها الطبيعي ، عقب الأحداث الأليمة التي عرفتها النواحي الجنوبية التي ذهب ضحيتها البطل "علي ملاح " قائد الولاية السادسة ومعه مجموعة من إطارات الولاية والمعروفة تاريخيا بقضية الشريف بن سعيدي ، كما أن ذيول هذه القضية وتفاعلاتها ما زالت تلقي بظلالها على سير الأحداث و صيرورتها...
استقر بنا المطاف في بداية الأمر بناحية صور الغزلان وبالتحديد بجبلي ديرة و بو قعدون المنطقة الرابعة من الولاية الرابعة وبعد فترة من ذلك رقيت إلى رتبة مرشح كسياسي للناحية.حيث شرعت بعدها بعزم وإرادة على أداء واجبي الوطني في ظروف تميزت بتحولات كبيرة في الميادين السياسية والعسكرية بعد أن طور العدو هو الآخر حملاته وأساليب عملياته.
وبعد شهرين من ذلك علمت عن طريق الصحف أن الخائن محمد بلونيس قد أعلن صراحة أنضمامه إلى صفوف العدو والعمل تحت مظلته ، و إزاء هذه المستجدات أبديت رغبتي في الأنتقال إلى المنطقة التاسعة التي كان يتولى قيادتها أنذاك البطل عمر إدريس "سي فيصل "وتفهمت القيادة طلبي وغادرت المنطقة الرابعة بالشمال نحو المنطقة التاسعة بالجنوب بناحية جبل القعدة بضواحي آفلو وبعد رحلة شاقة ومحفوفة بالمخاطر تقابلت مع القائد" الشهيد عمر إدريس "ونائبه "سي الطيب فرحات" في الشهور الأخيرة من سنة 1957حيث مارست نشاطي مباشرة كسياسي مع الكتيبة التابعة للمنطقة التاسعة تحت قيادة المساعد شكيب وبمساعدة الملازم العسكري أحمد زرزي . وقد جابهنا خلالها قوات العدو ومعها قوات الخائن بلونيس ولفترة من الوقت ألحقنا بهم خلالها خسائر معتبرة خاصة في صفوف جيش الخائن بلونيس.كما أنني أسجل هنا بأن الثورة قد مرت خلال هذه الفترة بمراحل صعبة للغاية نتيجة هذه الحملة المزدوجة لكن بفضل وعي قيادة الثورة وحكمتها استطعنا الصمود في وجه هذه الهجمة الشرسة ومواصلة نضالنا السياسي والعسكري,
ومن ضمن نشاطنا العسكري بهذه الجهة تسجيل عمليتين عسكريتين كنت قد شاركت فيهما ضد أتباع الخائن محمد بلونيس,
العملية الأولى بعين الحمارة
بعد عودتي من الولاية الرابعة والتحاقي بجبل القعدة كان أول اتصال لي بالأخوين طالبي الصادق والهواري وهما آن ذاك تحت قيادة الضابط محمد عبد الغني بالناحية الرابعة المنطقة الثامنة التابعة للولاية الخامسة قبل أن التحق بالضابط عمر إدريس المرابط بجيشه بالقرب منهما بناحية الصمة بالقعدة الشرقية وأثناء تواجدي مع جيش الولاية الخامسة علمت بأن حامية من الجنود تابعة للخائن بلونيس تحت قيادة المدعو " القاهرة " ترابط بعين الحمارة عين الشهداء حاليا ، وقد خلقت مشاكل عديدة لسكان المنطقة ولجيش جبهة التحرير الوطني أثناء تنقلاته وتحركاته عبر الجهة المتاخمة لحدود جبل القعدة وجبل لزرق المخاليف ولهذه الأسباب قرر قائد فرقتنا مهاجمة المركز المذكور.
وفي شهر ديسمبر 1957 أنتقلنا مع فرقتنا إلى ضواحي عين الحمارة وأرسلنا في طلب بعض المسبلين من سكان القرية وقد تقابلنا على مشارف القرية ليلا,وطلبنا منهم تزويدنا بمعلومات عن طبيعة المركز وما يحيط به وعن تقدير القوة المتواجدة به ,وقد اشتكى أعضاء اللجنة من الممارسات الهمجية المسلطة على الشعب وما يعانيه من ظلم وتعسف,فأكد لهم مسؤول فرقتنا الأخ طالبي بأنه جاء من أجل مهاجمة مركز الخونة,وفعلا ففي تلك الليلة قمنا بشن هجوم خاطف على حامية المركز,ولكن المعلومات التي وصلتنا عن تحصينات العدو والخنادق التي أقامها من حوله لم تصلنا بدقة لذا تعذر على مقاتلينا اقتحام هذه التحصينات ولم نحدث بين صفوفه خسائر معتبرة,وبعد ما تأكدنا من عدم فعالية هذه العملية أنسحبنا خارج القرية بعدما تركنا سبعة شهداء.
العملية الثانية بثنية العرعار جنوب الادريسية
بعد رجوعنا من العملية الأولى بعين الحمارة التحقت بمنطقة العمليات رقم 9 أي المنطقة التاسعة التابعة لسي فيصل الشهيد عمر إدريس وقد أنضميت إلى كتيبة المساعد شكيب ومساعده الملازم العسكري احمد زرزي,وهذه الكتيبة هي التي تركها عمر إدريس مرابطة بجبال القعدة بعد رحيله إلى منطقته جبال أولاد نائل في جانفي 1958 على رأس كتيبتين من جنود الولاية الخامسة لمواجهة الحركة المناوئة للثورة بقيادة الخائن محمد بلونيس .
عملية ثنية العرعار جنوب الادريسية :
بعد استقراري لمدة زمنية قصيرة مع كتيبة المنطقة التاسعة بالقعدة كنت خلالها أمارس مهامي كمسؤول إخباري وكانت تؤرقنا تصرفات أتبــاع بلونيـس بعين الحمـارة وضواحيـها بقيادة المدعو (القاهرة) حيث قام هذا الأخير باستدعاء عدد كبير من المواطنين من عدة جهات لحضور اجتماع مزعوم بالمكان المسمى عين الحجر بالقرب من الادريسية,وقد شهدت هذه الفترة تذمرا ملحوظا ونفورا لدى السكان في تعاملهم مع هذه الطائفة الظالة لذا ساورهم الشك من هذا الإجتماع ، فقاموا بإرسال رسالة مع أحد المسبلين إلى قائد كتيبتنا سي شكيب يطلبون نجدته وحمايته فتناقشت معه في الأمر,ثم طلبت منه أن أتطوع للقيام بهذه المهمة وعلى الفور جهزت فوجا يتكون من سبعة عشر مقاتلا,وبحكم أنتمائي إلى الجهة فقد كنت على دراية مسبقة بطبيعة الجهة وبأوديتها ومسالكها ولم أكن في حاجة إلى دليل,فسرت بهم على عجل لأسبق الخونة قبل تحركهم نحو مكان الاجتماع ومع بزوغ الفجر كنت قد حددت لكل مقاتل مكانه
وشرعنا في حفر الخنادق ووضع المتاريس من الحجارة ونبات الحلفاء,ولم يمض سوى وقت قصير حتى ظهرت قافلة العدو قادمة من عين الحمارة وتتكون من سيارتي جيب وشاحنة معبأة بالجنود وكانت السيارتان في المقدمة وعلى مسافة بعيدة من الشاحنة,وكان موقع الكمين عبارة عن ممر ضيق بين ربوتين يمر بينهما الطريق المؤدي إلى مكان الاجتماع ولا يوجد مسلك أخر غيره,وعندما دخلت سيارتي الجيب وسط الكمين لم نترك الفرصة تمر وأمطرناهم بوابل من الرصاص من فوهات رشاشاتنا التي كانت مصوبة بإحكام ولم ينج منهم أحد وكان عددهم عشرة أفراد باستثناء قائدهم القاهرة الذي كان يحاول المقاومة رغم إصابته بجروح فأطلق من مسدسه بعض العيارات الطائشة وعلى الفور أرديناه أرضا,أما الشاحنة فقد استدارت على أعقابها وأنزلت ركابها من الجنود بواد قريب منا,وشرعوا يطلقون النار نحونا بكثافة فسقط احد أفراد فرقتنا بعد إصابته بإصابة مباشرة فاستشهد وهو المجاهد المدعو "الحراش" وجرح آخر في كتفه وهو المجاهد "علي مداح " ,واستطعت أن أجمع أفراد الفوج على عجل بعدما غنمنا عشرة قطع من الأسلحة وغادرنا المكان قبل وصول الإمدادات لأن الشاحنة ذهبت مسرعة إلى عين الحمارة وتأكدنا من وصولهم بعد سويعات قليلة,لذا كان لزاما علينا مغادرة الموقع بعدما كلفنا أحد جنودنا بمرافقة الجندي المجروح إلى مركز الحراش القريب من مكان الحادث وكان المسؤول عنه الشهيد زفزافي بوبكر الملقب بوبيتين من عرش العبازيز وإخفائه عن أعين الأعداء,وبعد رجوع المجاهد من مهمته تصادف بوصول إمدادات العدو فأطلقوا عليه النار فسقط شهيدا وهو الشهيد " الشاتي الميلود" وبعد هذا الكمين الناجح تنفست المنطقة الصعداء وتحرر الشعب من عقدة الخوف وجاهر بولائه لجبهة التحرير وجيش التحرير الوطني وأعلن عن مقاطعته لجيش الخائن بلونيس الذي أندحر من المنطقة وتفرقت فلوله بين عدة جهات