في الصدق مع الله
قال الغزالي رحمه الله
فضيلة الصدق
قال الله تعالى {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] وقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا" [متفق عليه] ويكفي في فضيلة الصدق أن الصدّيق مشتق منه.
وقال بعضهم: أجمع الفقهاء والعلماء على ثلاث خصال أنها إذا صحت ففيها النجاة-ولا يتم بعضها إلا ببعض-الإِسلام الخالص عن البدعة والهوى، والصدق لله تعالى في الأعمال، وطيب المطعم.
بيان حقيقة الصدق ومعناه ومراتبه
اعلم أن لفظ الصدق يستعمل في ستة معان: صدق في القول، وصدق في النية والإِرادة، وصدق في العزم، وصدق في الوفاء بالعزم، وصدق في العمل، وصدق في تحقيق مقامات الدين كلها، فمن اتصف بالصدق في جميع ذلك فهو صديق لأنه مبالغة في الصدق. ثم هم أيضاً على درجات فمن كان له حظ في الصدق في شيء من الجملة فهو صادق بالإِضافة إلى ما فيه صدقه.
(الصدق الأول) صدق اللسان وذلك لا يكون إلا في الإِخبار أو فيما يتضمن الإخبار وينبه عليه.
(الصدق الثاني) في النية والإِرادة! ويرجع ذلك إلى الإِخلاص وهو أن لا يكون له باعث في الحركات والسكنات إلا لله تعالى.
(الصدق الثالث) صدق العزم، فإن الإِنسان قد يقدّم العزم على العمل فيقول في نفسه: إن رزقني الله مالاً تصدّقت بجميعه-أو بشطره، أو إن لقيت عدوّا في سبيل الله تعالى قاتلت ولم أبال وإن قتلت، وان أعطاني الله تعالى ولاية عدلت فيها ولم أعص الله تعالى بظلم وميل إلى الخلق. فهذه العزيمة قد يصادفها من نفسه وهي عزيمة جازمة صادقة، وقد يكون في عزمه نوع ميل وتردد وضعف يضاد الصدق في العزيمة، فكان الصدق ههنا عبارة عن التمام والقوّة كما يقال: لفلان شهوة صادقة.
(الصدق الرابع) في الوفاء بالعزم، فإنّ النفس قد تسخو بالعزم في الحال إذ لا مشقة في الوعد والعزم والمؤنة فيه خفيفة، فإذا حقت الحقائق وحصل التمكن وهاجت الشهوات انحلت العزيمة وغلبت الشهوات ولم يتفق الوفاء بالعزم، وهذا يضاد الصدق فيه، ولذلك قال الله تعالى {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:23].
(الصدق الخامس) في الأعمال، وهو أن يجتهد حتى لا تدل أعماله الظاهرة على أمر في باطنه لا يتصف هو به.
(الصدق السادس) وهو أعلى الدرجات وأعزها، الصدق في مقامات الدين، كالصدق في الخوف والرجاء والتعظيم والزهد والرضا والتوكل والحب وسائر هذه الأمور.