القراء الكرام السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
....خلال الأربعينيات من القرن التاسع عشر وبضواحي إقليم بلدة العالية التي كانت تابعة للحكم العسكري الفرنسي إبان الإحتلال.....كانت عائلة من العوائل التابعة لعرش الولي الصالح سيدي لمبارك وربما بضاحية حاسي المورقي أو ضاحية الأبرق ،،،وضحى خرجت البنت - مباركة - مع زميلتيها وكانت أعمارهن لا تتعدى السبع أو الست سنوات خرجن من الخيمة ضحى وكان الفصل ربيعا وربيعيا لتلعبن مع بعضهن البعض كالعادة وما هي إلا سويعة حتى رجعت البنتان وليس معهما الطفلة - مباركة - هي نامت ولما إستيقظت وجدت نفسها وحيدة ولم تعرف طريق عودتها الى الخيمة وهكذا صارت تتلاطم يمنة ويسرة وشمالا وجنوبا وتاهت عن الطريق وبقيت تبكي وتصرخ....وذاع خبرفقدانها بين الأهل والجيران وشرع الكل يبحث عنها في كل الإتجاهات من الرجال وحتى النسوة والأطفال ، ولقد إلتقوا بعابري سبيل رجلان ومعهما بعير فأخبروهما بما جرى علهما يجدانها ثم واصل القوم جديتهم في البحث عبر التلال والروابي وغيرها وأخيرا وجدا أثرأصابع رجليها وكفيها على التراب حيث كانت الأرضية حجرية ثم إختفى الأثر ولم يبق إلا أثر خفي ذلك البعير والرجلين...عاد الباحثون بخف حنين وطالت المدة أسبوع ، أسبوعان ، شهر ، شهران ، سنة ، سنتان ولم تظهر على البنت - مباركة - أخبار وهكذا أئس القوم من العثور عليها وأضحت في خبر كان...
في حقيقة لأمرأن صاحب البعيرالذي كان عاقرا هو الذي وجدها وقال في نفسه : هذه هيبة من الله لي ولا ينبغي أن أضيع الفرصة يجب أن أهجرها قسريا الى المجهول بالنسبة لأهلها والمعلوم بالنسبة لي ، فطوعت له نفسه تنفيذ مبتغاه وأخذها معه الى ضواحي إقليم الجلفة وقال لزوجته : أكرمي مثواها عسى أن تنفعنا يجب أن نربيها أحسن تربية ونتبناها فهذه هيبة من عند الله وجدناها على قارعة الطريق فأنقذناها من الموت ، قالت الزوجه لزوجها ووالديها ما ذا نفعل معهم ؟ قال لها أسكتي وإلا طلقتك ثلاثا ، فسلمت الزوجة أمرها الى الله وأخذت تعامل البنت معاملة ممتازة ومرت الأيام والشهور والسنون ولم يكتشف أمر البنت بعد ، ومن خلال تواجد البنت في بيئة غير بيأتها وفي كل مرة تسمع من قريناتها بأنها ليست إبنة هذا الرجل وأنها لاترث وأنها دخيلة على هذه الأسرة وهذا الحي وهذه الأرض...فاسترجعت البنت شريط حياتها الماضي وأخذت تفكر وتستفسر ذاكرتها وأخيرا إستقر رأيها على أنها دخيلة على هذا المجتمع وما عليها إلا أن تكتم سرها الى حين ، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ، ولما إشتد عودها مات الذي تبناها وبقيت مع زوجته ردحا من الزمن وهي لم ترث بعد وأصبحت في سن الزواج وجاءها الخطاب الشباب من كل حدب وصوب ينسلون لكونها ذات جمال ودلال فرفضت الجميع ووهبت نفسها زوجة لشيخ طاعن في السن توفيت زوجته كان - ملاخا - ماهرا أي حذاء يقضي سنته في رحلتي الصيف والشتاء بين الجلفة وضواحي مدينة - تقرت - بالقرب من خيم آل مبارك أهل البنت ، مكرهة هي لا بطلة على هذا الزواج غير المتكافيء قضت الصيف كله مع - الملاخ - ولما حل فصل الخريف كعادته هذا الشيخ أراد أن يشد رحاله الى ضواحي مدينة - تقرت - للعمل في مهنته التى أحبها ويتقنها ، طلبت الزوجة منه مرافقته لكنه رفض وبعد الجهد الجهيد وافق ففرحت بذلك أشد الفرح وكادت تبدي ما بنفسها لولا العقل تغلب على العاطفة ....وفي اليوم الموالي حزم الشيخ أمتعته ووسائل مهنته وركبت الزوجة البعيروهاهما يمشيان ويستريحان مدة ما يزيد عن الأسبوع وفي إحدى الليالي القمرية أطل الرجل ببعيره وأناخه بالقرب من زريبته التي يسكنها في حي ما يسمى - ب الجبس - محاذيا لضريح الولي الصالح سيدي محمد السايح قرب بلدة عمر ،،، وما هي إلا لحظات حتى دار به الجيران من آل مبارك وصنعوا له عشاء هو وزوجته ورحبوا بهما كعادة العرب وهنِؤوه بزواجه كما عزوه في وفاة زوجته الأولى وقالوا له أنك في نعمة بهذه الزوجة الصغيرة بعد أن كنت في نقمة مع تلك الشمطاء ، فقال في قلبه : الله يستر.....يا ويح من أشارت له الأصابع ولو بالخير وما هي إلا أيام قلائل حتى شرعت البنت في البحث عن أهلها من خلال سرد قصتها ومسار حياتها قبل الزواج وأثناءه وعلم الجيران والأهل بظهور البنت بعد إختفائها حين من الدهر وخلوا الأمر سرا الى أن تم إعلام السلطات آنذاك لكي يكون الأمر رسميا.
وفي ضحى إحدى الليالي الخريفية وبينما كان أهالي الحي المذكور - الجبس - يتناولون فطور الصباح ، أحاط بهم ومن كل جانب العساكر الفرنسية والقايد والأعيان والقاضي إحاطة السوار بالمعصم ولم يترك لا داخل ولا خارج فنودي عن صاحب الشكوى أحد أقارب البنت وحشد جمع من رجال الحي بما فيهم والد الفتاة....ثم دخل بعض الجنود الزريبة وأخرجوا البنت وجاؤوا بها أمام الجمع واستفسروا قصتها من الأول الى الأخر ثم إستمعوا الى وقائع القضية من طرف القاضي بعد السرد الممل هذا الملف الذي بقي مفتوحا منذ أمد بعيد ثم أمروا البنت أن تبحث عن أبيها من بين الجموع فظفرت به ثم ثاني وثالث الى أن إستقر الأمر عند رأيها ، وفي الأخير هنأ الحاكم الفرنسي والد البنت على أن رجعت اليه ضالته وأمر الزوج الطاعن في السن بأن يلفظ كلمة الطلاق على رؤوس الأشهاد فنطقها مكرها وفارقت الزوجة زوجها ورجعت الى أهلها فرحة مسرورة وأقام أهلها حفلا كبيرا منقطع النظير حظره القاصي والداني من البعيد والقريب والأهل والجيران والأعيان الذين أحدهم لما رأى البنت طار عقله وأراد أن يظفر بها زوجة له لشدة جمالها وحسبها ونسبها وأخذ يلمح لكن أولي الأمر وعدوه بذلك بعد أن تستوفي عدتها لكونها كانت زوجة .....تابع البقية في المشاركة القادمة .
- منقول عن السيدة أم الخير مشري
- المدون تيجاني سليمان موهوبي . mouhoubi51.blogspot.com