مقدمة :
يواجه المعلم بعض الصعوبات أثناء ممارسته عملية التعليم الصفي ، وتشكل هذه الصعوبات مشكلات عامة يواجهها المعلمون كافة بصرف النظر عن خبرته وعدد سنوات خدمته ، ونوع المادة التي يقوم بتدريسها .
ومما يزيد من حدة هذه المشكلات التقدم التقني السريع والمستمر والثروة المعرفية الهائلة في مختلف التخصصات ، الأمر الذي يفرض على المعلم ضرورة مواجهة هذه المشكلات وإيجاد الحلول لها .
ويعتبر علم النفس التربوي من المواد الأساسية اللازمة لتدريب المعلمين ، لأنه يزودهم بالأسس والمبادئ النفسية الصحيحة التي تتناول طبيعة التعلم المدرسي لكي يصبحوا أكثر قدرة ومرونة في مواجهة مشكلات العمل المدرسي ، ولكن ماذا يفعل المعلم في حالة غياب مثل هذه المبادئ ؟
في حالة غياب هذه المبادئ السيكولوجية سوف يلجأ المعلم إلى إتباع أحد البدائل الثلاثة التالية : الاعتماد على القواعد التربوية التقليدية ، أو تقليد معلميه القدامى وزملائه ذوي الخبرة ، أو قد يقوم بعمليات المحاولة والخطأ وذلك للوقوف على المبادئ التي تحكم عملية التعلم المدرسي .
*بالنسبة لاتباع القواعد التربوية التقليدية : فإن هذه القواعد لا تكون صحيحة على الدوام ، وفي معظم الأحوال وتحت كل الظروف والشروط ، وإنما يفترض أنها تتغير من جيل إلى جيل بتغير الشروط التربوية وتغير الأهداف التعليمية . ولذلك فالمعلم في حاجة إلى المبادئ السيكولوجية الصحيحة التي يزوده بها علم النفس التربوي عوضاً عن التطبيق الأعمى لقاعدة تربوية تقليدية واحدة
* أما اللجوء إلى تقليد معلم قديم أو زميل خبير : فقد ينطوي على نوع من الحكمة ، ويؤدي إلى الاطمئنان والاستقرار وبخاصة عند المعلم حديث العهد بمهنة التعليم ، أو غير المؤهل تربوياً ، إلا أن أسلوب التقليد يستلزم وجود نموذج جيد ، وإلا أصبحت عملية التقليد عائقاً يحول دون التقدم المهني للمعلم ، ومهما كان النموذج جيداً فما زال خطر التقليد الأعمى لهذا النموذج قائماً ، ولن يكون النموذج بديلاً عن المبادئ السيكولوجية السليمة التي يزوده بها علم النفس التربوي عند مواجهة مشكلات التعلم .
* البديل الثالث هو اللجوء إلى أسلوب المحاولة والخطأ : وهذا الأسلوب يعتبر عملاً عشوائياً وضياع للوقت والجهد دون أية فائدة مرجوة ، وذلك لأن المبادئ السيكولوجية الصادقة تستبعد كافة المحاولات التي لا تستحق الاختبار ، لعدم اتفاقها أصلاً مع المبادئ النفسية التي أكدت البحوث صدقها .
أهداف علم النفس التربوي :
يسعى علم النفس التربوي إلى تحقيق هدفين أساسيين :
الأول : توليد المعرفة الخاصة بالتعلم وتنظيمها على نحو منهجي بحيث تتضمن نظريات ومبادئ ومعلومات ذات صلة بالطلاب والتعلم ، وهو هدف نظري يعتمد على عدد من مناهج البحث مثل الملاحظة والضبط والتجريبي .
الثاني : هو صياغة المعلومات بصورة تسهل استخدامها وتطبيقها وهو هدف تطبيقي ، وهنا يعمل علماء النفس التربوي على تطبيق ما يصلون إليه من معارف ونظريات ومبادئ في المواقف التعليمية المختلفة ، وتعديل هذه المعارف في ضوء ما تسفر عنه نتائج التطبيق .
وبهذين الهدفين لعلم النفس التربوي ، يتم تجاوز مشكلة سد الثغرة بين النظرية والتطبيق ، فعلم النفس التربوي لا هو علم نظري بحت ، ولا هو تطبيقي محض ، بل يحتل مركزاً وسطاً بينهما ، مع الإشارة إلى أن علم النفس التربوي قد استفاد من فروع علم النفس الأخرى مثل علم النفس النمو ، علم النفس التجريبي ، وعلم النفس الاجتماعي ، وعلم النفس الكلينيكي .
المشكلات التي يواجهها المعلم :
يواجه المعلم عادة عدداً من المشكلات التي ترتبط بالعملية التعليمية ـ التعلمية تؤثر في أدائه المهني ، ويمكن تصنيف هذه المشكلات في خمس فئات أساسية هي :
1) المشكلات المتعلقة بالأهداف :
يجب على المعلم أن يبدأ نشاطه التعليمي بتحديد ماذا يريد أن يتم إنجازه ؟ أي الأهداف التي يتوقع من الطلاب إنجازها ، وهنا سيواجه مشكلة اختيار الأهداف وصياغتها ، وطرق تزويد طلابه بها .
2) المشكلات المتعلقة بخصائص الطلاب :
يختلف الطلاب عادة في كثير من الخصائص الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية وهذا الاختلاف يفرض على المعلم مواجهة مشكلات التنوع في قدرات الطلاب واستعداداتهم ونقاط القوة والضعف لديهم ، وذلك لتحديد مدى قدرتهم على إنجاز الأهداف التعليمية المرغوبة .
3) المشكلات المتعلقة بالتعلم :
سوف يواجه المعلم مشكلة اختيار مبادئ التعلم التي تتفق مع طبيعة المواقف التعليمية ـ التعلمية التي تفرضها عليه شروط النشاط التعليمي الذي يقوم به والسبب في ذلك تنوع وتعدد أنواع السلوك التي يمارسها الطلاب .
4) المشكلات المتعلقة بالتدريس :
تختلف طرق التدريس باختلاف المواد الدراسية وخصائص الطلاب ، ويواجه المعلم مشكلة اختيار طريقة التدريس والوسائل التعليمية الأكثر فعالية ، فهل يستخدم مثلاً طريقة المحاضرة أم المناقشة ؟ أم غير ذلك من الطرق ؟ وهل يستخدم لوحات إيضاحية أم فيلماً تليفزيونياً .. ؟
5) المشكلات المتعلقة بالتقويم :
عملية التقويم تمكن المعلم من معرفة ما تحقق من تقدم في مجال انجاز الأهداف التعليمية ، وهي النشاط التعليمي الأخير ، والمشكلة هنا إعداد الاختبار وتطوير الإجراءات التي تساعد على معرفة هذا التقدم .
وبتأمل المشكلات السابقة التي تواجه المعلم في عمله نرى أنها تعكس المجالات الأساسية التي يهتم بها علماء النفس التربوي ، كما أنها تمثل المكونات الأساسية لعملية التعلم والتعليم التي تحظى باهتمام الباحثين في مجال علم النفس التربوي .
موضوع علم النفس التربوي :
يصعب تحديد موضوع علم النفس التربوي بدقة تامة وذلك بسبب تباين الباحثين وتباين وجهة نظرهم ، وتباين موضوعات علم النفس التربوي ، والمشكلات الناتجة عن العملية التعليمية وتنوعها ، وقد مرت عملية تحديد موضوعات علم النفس التربوي بنوع من التطور يمكن تلخيصها على النحو التالي :
* في الثلاثينيات من هذا القرن : اتجه علماء النفس التربوي إلى الاهتمام بموضوعات مثل سيكولوجية التعلم والمواد الدراسية مثل القراءة والحساب ، ثم امتد هذا الاهتمام إلى بعض المفاهيم مثل الصحة النفسية والعلاج النفسي .
* في الخمسينات : اتجه الاهتمام إلى موضوعات التعلم ، دون الخوض في ما يتعلق بسيكولوجية المواد الدراسية التي تركت للمختصين .
* في عام 1980 م يروي فؤاد أبو حطب وآمال صادق أهم الموضوعات التي اشتملت عليها كتب علم النفس التربوي من خلال مراجعة النتائج التي توصل إليها " بل " وتبين أن أكثر هذه الموضوعات تواتراً هي :
1) النمو الجسمي ، الانفعالي ، المعرفي ، الاجتماعي ، والخلقي .
2) التعلم ونظرياته ، وطرق قياسه والعوامل المؤثرة فيه .
3) انتقال أثر التعلم ، والاستعدادات ، طرق التدريس وتنظيم المواقف التعليمية .
4) الذكاء والقدرات العقلية وسمات الشخصية وقياسها .
5) التحصيل وأسس بناء الاختبارات التحصيلية والنفسية والتربوية .
6) التفاعل الاجتماعي بين الطلاب وبين الطلاب والمعلمين .
7) الصحة النفسية والتكيف الاجتماعي والمدرسي .
وبالطبع فإن كل موضوع من الموضوعات السابقة يحتوي على عدد كبير من الموضوعات الفرعية ، والتي قد تنتمي بدورها إلى فروع أخرى لعلم النفس ، الأمر الذي حال دون تحقيق رؤية واضحة ودقيقة لموضوع علم النفس التربوي