قائد الفوج يكشف عن خيانته وتآمره
من المفيد قبل التحدث عن خيانة قائد الفوج وتآمره على الثورة وانحرافه عن خطها السوي أن أقدم ملخصا لحديث ذو أبعاد جرى بيني وبين قائد فوجنا ذات يوم حيث دفعت بي الظروف إلى العمل تحت قيادته في هذه الفترة الحرجة من حياتي النضالية لقد كنا ذات يوم في حالة استرخاء بإحدى جبال الناحية وخلال تبادل الحديث معه أفضى لي بما كان يملأ قلبه بعد أن وثق بي بحكم عملي كممرض للفوج ولكوني أعرف اللغة الفرنسية جيدا والتي كان يحسنها هو أيضا فصرت من اقرب الناس إليه تحدث عن نضاله بفرنسا وكيف أنهم كانوا يعتقدون بأن الثورة التي أندلعت في ربوع الوطن في ليلة أول نوفمبر 1954 ستكون باسم زعيم الحزب المرحوم" مصالي الحاج"لكن للأسف تناقلت معظم وكالات الأنباء نبأ قيام الثورة باسم أخر هو جبهة التحرير الوطني وهالنا ما سمعنا وأصبنا بصدمة عنيفة فلم نستطع قبول أو هضم ذلك على الإطلاق وعشنا خلالها فترة من الضيق والضياع ولتبيان الحقيقة والخروج مما كنا عليه من بلبلة وغموض اتجهنا إلى زعيم الحزب "مصالي الحاج "وعرضنا عليه الأمر فقال لنا (اتركوهم نجرب بهم ) فتقبلنا النصيحة في أول الأمر، وعاد كل واحد منا إلى موقعه..لكن أخبار الثورة وأنتصاراتها الميدانية التي باتت تتصدر الصفحات الأولى لمعظم الصحف الفرنسية والقنوات الإذاعية مما زاد من غضبنا وحقدنا على قيادة الثورة وكيف تحدت وتجاوزت زعيم الحزب وأعلنت الثورة بغير اسمه.فقررنا ثانية العودة إليه في منفاه لأخذ رأيه فيما يجري.و لإيجاد منفذ للخروج من هذا الوضع النفسي المتأزم الذي تمكن من نفوسنا وبعد حديث مطول معه في الموضوع قال لنا "دبروا رأسكم" فتدبرنا أمرنا وقسمنا المناضلين الذين مازالوا على ولائهم لزعيم الحزب إلى مجموعات والاستعداد للسفر إلى ارض الوطن لمباشرة العمل المسلح باسم زعيم الحزب مصالي الحاج.
وضمن هذا الإطار سافرت المجموعات إلى الجزائر وتوجهت كل مجموعة إلى المكان الذي حدد لها من قبل فتوجهت مجموعتي نحو جبال تيزي وزو باعتبارها مسقط رأسي وبعد وصولنا مكثنا فترة من الوقت استطلعنا خلالها الأوضاع ومجرياتها بالناحية ثم شرعنا بعدها في تنفيذ الشق الثاني من خطتنا، فاتصلنا في بداية الأمر بالسيد محمد بلونيس الذي كان يمثل الرقم الثاني في الحزب وممثله بدون منازع وبعد الحديث معه في الموضوع اقترح علينا ضرورة التحرك جنوبا على أساس أن هناك جيش في الصحراء يؤدي واجبه تحت راية الزعيم "مصالي الحاج"وتصورت في البداية أن الجيش الذي كان يقصده هو الذي كان يتولى قيادته" زيان عاشور".
من هنا بدأت اشك فيه وتأكد لي شيئا فشيئا تآمره على الثورة وبات من الواضح أن أتدبر أمري قبل فوات الأوان ، وأن أبقى دوما في أعلى درجات اليقظة تحسبا لأي تصرف متوقع منهم أن هم تأكدوا من ولائي التام لجبهة وجيش التحرير الوطني .لقد أخفيت عنهم ولائي للجبهة وجاريتهم في الموضوع وبعد فترة من الوقت تأكدت قطعيا من خيانته للثورة وهذا من خلال قرائن وأدلة إثبات واضحة.
ومن بين ذلك أذكر أنه ذات يوم وبينما كنا متمركزين بجبل بن يعقوب ظهر بموقعنا فجأة شخصان هما "بن مخلوف وقدور بن لحبيب" اللذين كنت اعرفهما جيدا من خلال عملهما الجبان وعمالتهما للشرطة السرية الفرنسية إذ كانا يتابعان ويرصدان تحركات ونشاطات رجال الحركة الوطنية بالمنطقة وتبليغها إلى أجهزة الأمن الفرنسية أولا بأول ، فدخلني الشك من وجودهما وحاولت أن اربط بين وجود هذين الشخصين في هذا الوقت وفي هذا المكان بالذات وبين بعض التصرفات الغريبة التي قد سجلتها عن "العربي القبايلي" من قبل .ولم أجد لذلك سوى تفسيرا واحدا وهو أنهم جميعا خونة ويعملون لصالح المخابرات الفرنسية ، وقد صدق توقعي وحدسي ، إذ قدما تصريحا ( جواز مرور) صادرا عن المخابرات الفرنسية بالجهة يخول لهما الاتصال مع فوجنا لكني تدخلت وأخبرته عن طبيعة هذين الشخصين وأنه لا يمكن الوثوق فيهما بالنظر لماضيهما،إلا أنه قال لي دعهما وشأنهما يمكن أن يقدما لنا خدمة نحن في حاجة إليها ، وتظاهرت بقناعة جوابه والامتثال لأوامره..وقد ظهرت الحقيقة عارية حقيقة عمالتهم وخيانتهم للثورة والعمل ضدها إذ تقدم ابن مخلوف بن مبروك يطلب من قائد الفوج العربي القبايلي أن يكتب رسالة شكر لرئيس دائرة الأغواط "أبرياك"يعبر له فيها عن شكره وامتنانه لموقفه السلمي الذي اتخذه عقب العملية الفدائية التي نفذها أحد الفدائيين بالمدينة ضد مفتش شرطة المدينة ، وكتب الرسالة فعلا وتم إرسالها بواسطة بريد عين الإبل وبعد عدة أيام اتصل بنا" بن مبروك" وكنا يومها بجبل قعيقع .وتحدث عن هذه الرسالة التي كانت وصلت فعلا لرئيس الدائرة وقد شكره "العربي"على اقتراحه هذا...