فوجنا يغادر جبل بوكحيل باتجاه الجبل الأزرق
جبل بوكحيل الذائع الصيت بالجهة كان بعيدا نسبيا عن العمران والمراكز العسكرية للعدو وحتى الطرق سواء كانت معبدة أو غير معبدة لم تكن موجودة ,وهذا ما جعل المنطقة في السنتين الأولتين للثورة لم تصلها جيوش العدو وبالتالي ندرة المواجهة معها ودوام الوضع على هذه الحالة يؤثر بصفة سلبية على الثورة وعلى مصداقيتها، خاصة وأن الثورة مطلوب منها في هذه المرحلة إظهار قوتها ميدانيا وهذا من خلال القيام ببعض المعارك ونصب الكمائن لقوات العدو لكسب السكان لصفها وخاصة المتخاذلون منهم ، لهذه الغاية اقترحت على قائد فوجنا وهو المدعو العربي القبايلي ، في مطلع خريف عام 1956 مغادرة جبل بوكحيل والتنقل نحو الجبل الأزرق الواقع بجوار الأغواط مدعما اقتراحي هذا بعدة اعتبارات وجيهة ، فتلقى هذا الاقتراح استحسانا من قبل مسؤول الفوج وأعطى أوامره بتنفيذ هذا الأمر وخلال تنقلنا هذا قمنا بعملية بناحية سيدي مخلوف على الطريق الرابط ما بين مدينتي الجلفة و الأغواط تمثلت في حرق شاحنتين في مكان يدعى (الكانتينا) وأسرنا خمسة أفراد من جنسية فرنسية من بينهم امرأة ومعهم مواطن جزائري وبعد الإطلاع على هويتهم أطلقنا سراح ثلاثة من بينهم امرأة والمواطن الجزائري وآخر أوروبي يهودي الديانة والباقي أخذناهم معنا لكن تكرار محاولة فرارهم أجبرنا على وضع حد لحياتهم.ولما وصلنا للجبل الأزرق اخترنا إحدى نقاطه الحصينة وعسكرنا بها ورحنا نستطلع الوضع من هناك قبل الشروع في الاتصال بسكان الناحية الذين استقبلونا استقبالا حسنا ، وخاصة سكان عرش المخاليف .
ومن هناك بدأنا في نشر رسالة الثورة وتوسيع دائرتها عبر عروش الجهة ، ثم ليمتد بعدها هذا النشاط الثوري نحو عمق مدينة الأغواط نفسها وكان هذا النشاط يجري بتزايد مع الاستعانة بعناصر وطنية من سكان عرش المخاليف ، حيث كنا نركز بصفة خاصة عبر الاتصال المباشر مع السكان بهدف تنوير الناس بحقيقة الثورة وبرسالتها النبيلة, فعلا فقد حققنا نتائج جيدة إلى حد ما ، وهكذا وبعد حوالي شهر من ذلك تمكنا من أنشاء قواعد للثورة وتثبيت نظامها السياسي بالخصوص عبر الجهة.ثم قفلنا عائدين من حيث أنطلقنا من جبل بوكحيل ..
الشيخ زيان عاشور يطلبنا بمقر قيادته ..
قبل أن تنتهي مهمتنا بجبل الأزرق تلقينا أمراُ من القائد زيان عاشور الذي كان يعرف أنذاك ( بقائد جيش الصحراء) ، يقضي هذا ا لأمر بالعودة فورا إلى مركز جبل بوكحيل نحو مركز تواجده بالقرب من أولاد جلال بولاية بسكرة حاليا ، ولما وصلنا للمركز الآنف الذكر وجدنا الشيخ زيان هناك وكنا حتى هذه اللحظة لم نكن نعلم أن الأمر يتعلق بإشاعة مفادها أن فوجنا الذي سبق وأن تنقل للجبل الأزرق هو عمل تمردي على القيادة بدليل أننا لم نخبره بالأمر قبل الإقدام على تنفيذ هذه المهمة ، وحاول قائد الفوج بكل ما لديه من حجج وأدلة تفنيد هذه الإشاعات وأن الأمر لا يخرج عن نطاق توسيع دائرة الثورة وزرع خلاياها عبـر جبــال وأعراش الناحية معددا مزايا هذا التنقل الذي كانت فضائله كبيرة بحيث تم جمع الأسلحة وتشكيل الأفواج وجمع التبرعات وأنضمام العديد من المواطنين لصفوف الثورة
الخ .........حينئذ هدأت لهجة القائد زيان وتلطفت ، وساعتها فقط أشعرنا بسبب استدعاء الفوج مختتما حديثه بتقديم توجيهات وإرشادات عامة تدور في مجملها حول أساليب العمل ومقتضياته في المرحلة المقبلة......