مقالة المقارنة بين السؤال والمشكلة
إذا نظرنا إلى مختلف مجالات الحياة نجد و كأنها محكومة بالسؤال فهو الذي يوجهها و يعتبر أسلوب التواصل بين الأفراد و محرك لإكتساب المعارف،لكن هذا قد يتطور و يتحول الى مشكلة و بالتالي ماهي طبيعة العلاقة بين السؤال و المشكلة؟
أوجه الإختلاف:
يختلف السؤال و المشكلة ابتداءا في تعريفهما ؛ فالسؤال يعبر عن استدعاء المعرفة أو يؤدي إلى المعرفة ، أما المشكلة فيقصد بها تلك القضية المبهمة المستعصية غير واضحة الحل :«مرادفة للمسألة التي يطلب
ضف إلى ذلك أن الأسئلة يستطيع أن يطرحها كل الناس مهما صغرت أو كبرت أعمارهم فالأطفال مثلا يحملون من الانشغالات ومن التساؤلات التي يحرجون بها الكبار ، كما أن الأسئلة وسيلة تربوية تعليمة ناجعة كما أثبت ذلك علم النفس التربوي
إن المشكلة لا يستطيع أن يطرحها إلا صاحب انفعال واهتمام بمواضيع تكون أكثر استعصاء ؛ يعالجها بدمه ولحمه وتأخذ كل كيانه وقد تستغرق كل عمره وهذا لا نجده إلى عند ثلة من البشر أعظمهم شأنا العلماء والفلاسفة المعروفين بتميزهم دون غيرهم من الناس
إن الأسئلة التي يطرحا عامة الناس ؛ إجاباتها تكون معروفة خاصة إذا تعلق الأمر بالصنف المبتذل أو الصنف العملي لأن متطلبات الحياة هي التي تقتضيها
إن المشكلات التي يطرحها خاصة الناس من علماء وفلاسفة قد يتوصل إلى حلها ، وقد تبقى إجاباتها مفتوحة أو لا يتوصل فيها إلى حل أبدا.هذا من جهة ، ومن جهة أخرى قد تتعدد إجابتها في شكل أراء مختلف فيها فإجابات الفلاسفة مثلا ليست واحدة حول نفس المشكلة ؛ و لو وحدت الإجابات ما كانت لتكون المذاهب الفلسفية ولا تتعدد النظريات في تاريخ الفلسفة
كما أن ليس كل سؤال مشكلة بالضرورة ، لأن الأسئلة المبتذلة التي لا تتطلب جهدا في حلها ، والتي لا تثير فينا إحراجا ولا دهشة ، لا يمكن أن ترتقي إلى أسئلة مشكلة حقيقية
و المشكلة أيضا ليست أيضا ، سؤالا من حيث إنه مجرد موضوع و مبحث أو مطلب ، مادام لم يترك في الذهن بعض التساؤلات ، ولم يخلف وراءه استفهامات صريحة أو ضمنية كقولنا "الحرية و الجبرية "حلل و ناقش فهي لا تستدعي الصيغة الاستفهامية.
أوجه التشابه:
يتشابه كل من السؤال و المشكلة في كونهما تساؤل ومن ثم كلاهما يتطلب حلا أو جوابا ،كما أنهما يهدفان لبلوغ حقيقة ما و إلا لما طرحا،ضف إلى ذلك أنهما يتطلبان العقل و يستوجبان شروطا لكي يطرحا،كما أن كلا من السؤال و المشكلة يشكلان قضية فمثلا السؤال في مجال السياسة يشكل قضية كالقضية الفلسطينية و المشكلة قد تكون قضية يمكن الحكم عليها بالصدق مثل: هل الماء جسم بسيط أم مركب؟ كما يمكن أن يشكل السؤال مسألة في مجال السياسة بالإضافة إلى ذلك يمكن أن تكون المشكلة مسألة مثل: مسائل الرياضيات...الخ.
أوجه التداخل:
لا يمكن للإنسان الباحث عن الحقيقة أن يطلبها إلا إذا اعتمد على السؤال و المشكلة معا فأهم نقطة تجمعهما و بوظيفة واحدة : هي التفكير لأن الإنسان كائن عاقل وفضولي لا يتوقف عن طرح الأسئلة المتنوعة غالبا ما تكون مبتذلة وأحيانا تأتي عملية وفي أحيانا أخرى تأتي بشكل انفعالي التي تأخذ بصميم النفس و ما تثيره فيها من قلق وتوتر و دهشة ، وإيقاظا لوعي الإنسان لمواجهة المشكلات و محاولة حلها . إذا نحن انطلقنا من الأسئلة كمطالب ووصلنا إلى المشكلات كمعضلات مستعصية تتطلب الحل .كما أنه يمكن أن ننطلق من مشكلات سواء كانت علمية أو حتى فلسفية نطرحها بشكل استفهامي لا تتوضح فيه الإجابة إلا بأسئلة دقيقة في الطروحات المختلفة . وهذا بالضبط ما تبينه هذه العلاقة القائمة على أساس فكري محض ؛ بحيث نقرب السؤال الإشكالي إلى التفكير . وفي هذا السياق ، يقول "جون ديوي التفكير لا ينشأ إلا إذا وجدت مشكلة ، وأن الحاجة إلى حل أي مشكلة ، هي العامل المرشد دائما ، في عملية التفكير".
الخاتمة:
نستنتج مما سبق أنه لا يجب أن تأخذ العلاقة بين السؤال و المشكلة على أساس الإطارد أو كشرط و مشروط أي أن كل سؤال ليس بالضرورة يتحول الى مشكلة أو العكس أي أن كل سؤال لا يؤدي الى مشكلة ،فقد يكون للسؤال جوابا و بالتالي لا يرقى الى مستوى المشكلة "كالأسئلة المبتذلة" و قد يبقى صعبا من غير جواب مقنع وفي هذه الحالة يكون مشكلة و يثير فينا الدهشة و الحيرة و يدعونا الى التفكير و البحث.